على العرب أن يدركوا ويعرفوا أن الانسحاب الأميركي من العراق سيعني الانسحاب من الشرق الأوسط الجديد، وهذا لن يكون ولن يتم إطلاقاً... لا في عهد الجمهوريين، ولا في عهد الديموقراطيين إن هم فازوا في الانتخابات الرئاسية المقبلة!!لأن الولايات المتحدة، التي احتلت العراق أساساً من أجل هذه الغاية، تسعى إلى استبدال النظام الشرق أوسطي القديم المنهار بنظام جديد يضمن بقاءها وسيطرتها في هذه المنطقة على مدى هذا القرن كله فإن على العرب أن يدركوا وأن يعرفوا، وأن يتصرفوا على هذا الأساس، انه لا انسحاب أميركياً، بمعنى الانسحاب الكامل، من العراق وانه لابد من إحداث انفراج في المأزق الفلسطيني المتزايد قبل مؤتمر الخريف المقبل وخلاله وبعده.
يجب أن يدرك العرب هذه الحقيقة جيداً ويجب أن يتصرفوا على هذا الأساس ويجب أن يدركوا أيضاً أن المشكلة الأساسية بين الولايات المتحدة وإيران هي هذه المشكلة، فالأميركيون يريدون شرق أوسط جديداً لا منافس لهم فيه حتى لو في الحدود الدنيا، والإيرانيون يصرون على أن هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تريده واشنطن واحتلت العراق من أجله لن يكون ما لم يكونوا رقماً مميزاً ورئيسياً في معادلته.
إن هذه هي المشكلة الحقيقية ولذلك فإن إيران قد اتجهت هذا الاتجاه «النووي» الخطير من أجل أن تفرض نفسها على هذه المعادلة الجديدة ومن أجل أن تكون حصتها في هذا النظام الشرق أوسطي المنشود بقدر مكانتها بعد أن تصبح دولة نووية، والآن فإن هناك محادثات أميركية-إيرانية تجري على قدم وساق بصورة سرية، ولذلك فإن الخوف كل الخوف أن يتوصل المتفاوضون إلى حل الالتقاء في منتصف الطريق، وهو حل يعني حصول الإيرانيين على ما يريدونه أو بعض ما يريدونه مقابل وقف تدخلهم السافر في العراق، ووقف تمويل «حزب الله» وتمويل حركة «حماس» والتدخل في الشؤون الفلسطينية واللبنانية.
ولذلك... ولأن هذه هي صورة ما يجري الآن على هذا الصعيد، فإن على العرب أو بعض العرب أن يكفَّوا عن مراهناتهم بأن الأميركيين سينسحبون من العراق إن لم يكن قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة فبعدها مباشرة... إن هذا تفكير قصير النظر وسطحي، وعلى هؤلاء أن يعرفوا أن الولايات المتحدة عندما شنت هذه الحرب المكلفة، التي تزداد كلفتها يوماً بعد يوم، كان هدفها أبعد وأهم من مجرد إسقاط نظام صدام حسين، والإتيان بقوى المعارضة ورموزها من الخارج وإسكانهم في المنطقة الخضراء في بغداد.
إن على العرب أن يتعاملوا مع مؤتمر الخريف المقبل، المتعلق بالقضية الفلسطينية الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش، على أساس أن الأميركيين يريدونه لاستكمال معادلة هذا النظام الشرق أوسطي الجديد الذي ليس بالإمكان إنشاؤه على أنقاض النظام القديم المنهار في بدايات تسعينيات القرن الماضي من دون حل جديِّ مقبول ودائم ومتوازن لقضية فلسطين التي من دون حلها لا يمكن أن تهدأ هذه المنطقة أو تستقر.
على العرب أن يدركوا ويعرفوا أن الانسحاب الأميركي من العراق سيعني الانسحاب من الشرق الأوسط الجديد، وهذا لن يكون ولن يتم إطلاقاً... لا في عهد الجمهوريين، الذي أشرف على نهاياته، ولا في عهد الديموقراطيين إن هم فازوا في الانتخابات الرئاسية المقبلة وعليهم، أي العـرب، أن يدركوا ويعرفوا أن دعوة بوش إلى مؤتمر الخريف المقبل ليست من أجل عيون الفلسطينيين، بل من أجل عيون النظام الشرق أوسطي الجديد، الذي إن لم تقمه واشنطن ويكون لها المقعد الرئيسي فيه فإنها ستخرج من هذه المنطقة، وهذا لن يحدث ربما في هذا القرن كله.
إن كل ما يقال خارج دائرة هذا الإدراك بالنسبة إلى معادلة النظام الشرق أوسطي الجديد، الذي تواصل الولايات المتحدة إنشاؤه والذي احتلت العراق من أجله وتشتبك مع الإيرانيين لمنعهم من أن يكونوا شريكاً فوق العادة «فيه»، هو «تغميس خارج الصحن»... وهذا معناه أنه لابد من انتظار تطورات قريبة ستكون حتماً في غاية الدموية وغاية الصعوبة.
* كاتب وسياسي أردني