Ad

إن العقل الجمعي العربي يتقدم بخطى حثيثة على حساب العقل الفردي أو الانفرادي أو الانعزالي المتقاتل والمتصارع كما تتوق أميركا وترغب وتلح على إثباته!

وهذا يعني في ما يعني أن نجم أميركا بدأ يأفل في المنطقة فعلاً بعد غرق سفنها في أكثر من مستنقع.

رغم كل التحشيد السلبي الأميركي ضد طهران والضغوط الهائلة التي مورست على دول ما سمي بمعسكر الاعتدال لتشكيل جبهة مضادة استعداداً لإعلان الحرب ضدها، فقد تم توديع العام المنصرم واستقبال العام الجديد بتسارع واضح وملفت للتحولات الإيجابية بين الضفتين!

فبعد توديع العام الفائت بدعوة استثنائية للرئيس أحمدي نجاد لحضور قمة الدوحة الخليجية وظهوره بمنزلة النجم اللامع في تلك الصورة التي دخل فيها القمة «فاتحا» وهو يشبك يديه بيدي العاهل السعودي تلتها مباشرة دعوة الأخير له لتأدية مناسك الحج كضيف شرف مرموق و«مأمون الجانب»، أي قابل للثقة والاطمئنان والجلوس إليه للتداول معه بكل قضايا الأمة الكبرى من فلسطين إلى لبنان مروراً بالعراق، افتتحت جمهورية مصر العربية أولى صفحات العام الجديد باستقبال كبير مفاوضي الملف النووي الإيراني السابق والممثل الشخصي الحالي لمرشد الثورة الإسلامية الإيرانية الدكتور علي لاريجاني في القاهرة، مفاتحة إياه بكل القضايا والملفات الأمنية والسياسية والاستراتيجية التي لا تخص العلاقات الثنائية المجمدة بين البلدين فقط، بل كل الملفات المثيرة للجدل بين العالمين العربي والايراني وهموم الإقليم المضطرب الذي نعيش فيه، وبذلك تعطي مصر إشارة عالية التردد بتنامي منسوب التعاون والتضامن مع إيران الجارة المسلمة، وهو ما يجب وضعه في إطار الانتصار للعقلانية السياسية على حساب الانزلاق في فخ الحس الغرائزي الذي دفعت الإدارة الأميركية، ولاتزال، باتجاهه بقوة في مجال العلاقة بين الضفتين!

الأنباء المتوافرة لدينا من مصادر عربية وإيرانية متطابقة تفيد بأن العرب بمعسكريهم «المعتدل» و«المتشدد» -حسب التصنيف الأميركي طبعا– يتجهون إلى دعوة الرئيس أحمدي نجاد إلى قمة دمشق الربيعية العربية، وأن الرئيس الايراني سيكون مرة أخرى نجم المؤتمر، طبعاً وكما هو مفترض سيسبق ذلك مصالحة سعودية سورية يعد لها على قدم وساق ويعمل على إنجازها أكثر من طرف عربي وإقليمي، مما يقوي الاعتقاد بأن العقل الجمعي العربي يتقدم بخطى حثيثة على حساب العقل الفردي أو الانفرادي أو الانعزالي المتقاتل والمتصارع كما تتوق أميركا وترغب وتلح على إثباته!

إن هذا يعني في ما يعني أن نجم أميركا بدأ يأفل في المنطقة فعلاً بعد غرق سفنها في أكثر من مستنقع، وبالتالي فإن ثمة عالماً ينهار وإن ببطء، وإنه بالمقابل ثمة عالم آخر ينهض وإن ببطء أيضاً، يمكن للعرب وإيران ومعهما تركيا إذا ما ضمت إلى الجهود المشتركة بفاعلية أكثر، وإذا ما أبدت هي أيضا خياراتها وأظهرت مشرقيتها بشكل أكثر إشراقا من ذي قبل!

طبعا نحن لا نقول هذا لا من قبيل المبالغة ولا من قبيل الإفراط بالتفاؤل بقدر ما نقوله من باب الحساب الدقيق للوقائع والأحداث، حتى إن حاول الأميركيون وبعض المراهنين والمنبهرين بهم في المنطقة، التقليل من أهمية كل ما ذكر أو زادوا من صراخهم أو ألحوا على الطلب من الأميركي المنكفئ الاستمرار في تحشيده السلبي ضد طهران، ولكن لمصلحة رغبات ومتطلبات محلية وفئوية صغيرة هنا أو هناك كما يفعل بعض الموتورين من منظري «الانتداب الديموقراطي» الدولي على لبنان!

فهؤلاء بنظر البعض إنما يعملون لغرض تغطية انسحابهم أكثر من اعتقادهم بإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وذلك عملا بنظرية الانسحاب «المشرف» التي نظر إليها الكبار من عقلاء أميركا، ومن بينهم لجنة بيكر-هاميلتون التي حاول الرئيس الأميركي، ولايزال، التحايل عليها وعدم الإذعان إلى نصائحها ولكن إلى حين!

على أي حال فإن المتتبعين بعمق لما يحصل في أروقة الحوارات العربية-العربية والعربية-الإيرانية وجهود المصالحات الجارية على أكثر من صعيد بين القوى العربية أولا، التي حاول الأميركيون تقسيمها إلى «فسطاطين» من دون جدوى، والعرب والإيرانيين الذين يتقدمون بتسارع معقول لفهم وتفهم الخصوصيات العربية، يؤكدون أن المعادلات الاقليمية في محيطنا العربي والاسلامي تتجه شيئا فشيئا وإن ببطء، ولكن بثبات إن شاء الله نحو مزيد من صناعة الثقة المتبادلة ومزيد من إعادة إحياء الفريضة الغائبة، أي التضامن العربي-الإسلامي، ومزيد من إعادة تثبيت جسور التواصل بين الأطراف المختلفة.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني