اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية الحلقة الأخيرة

نشر في 01-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-02-2008 | 00:00

ركّز الجزء الخامس من الكتاب على التحركات المحمومة التي نفذها اللوبي الإسرائيلي وسياسيو إسرائيل أنفسهم، من أجل تهيئة الإدارة الأميركية وحضّها على إسقاط نظام صدام حسين وغزو العراق، بوصفه الخطر الأكبر الذي يواجه العالم ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وحاول المؤلفان استعراض الشخوص والأحداث التي سبقت غزو العراق، وكذلك تصريحات ومقالات واجتماعات المحافظين الجدد في أميركا، والساسة والنخب الإسرائيلية، واندفاعهم صوب أجهزة الإعلام الأميركية ومراكز البحوث، لتشكيل رأي عام داعم للحرب.

ولم يبد ِالمؤلفان دهشتهما، شأن كثير من الأميركيين، مما وصفاه

بـ «هوس العراق» الذي سيطر على المحافظين الجدد، ومدى ولائهم لإسرائيل ونفوذهم الغالب على إدارة بوش، فكثير من الأميركيين باتوا على ثقة بأن الحرب صُممت من أجل تعزيز مصالح إسرائيل في المنطقة، غير أن ما أورده المؤلفان في الجزء السادس والأخير، والتطورات اللاحقة لغزو العراق، تبرهن على أن الأمر لم يقف عند حد الهوس بالعراق، إذ لم تكد القوات الأميركية إلى أسوار بغداد وتحكم سيطرتها على العاصمة العراقية، حتى اشتعلت حملة أخرى شنّها شارون ومعاونوه واللوبي الإسرائيلي داخل واشنطن، من أجل لفت انتباه صانع القرار الأميركي إلى أن القائمة مازال فيها المزيد؛ لتبدأ حملة تصعيد أخرى ضد قوى أخرى في المنطقة؛ سورية وإيران.

دومينو الشرق الأوسط

بحلول منتصف التسعينيات من القرن العشرين، كان هناك استياء كبير من سياسة «الاحتواء المزدوج»، لأنها تجعل الولايات المتّحدة العدو اللدود لبلدين يتبادلان الكره، وتجبر واشنطن على تحمل وطأة احتواء كليهما، لكنها كانت استراتيجية يحبذها اللوبي، الذي عمل بشكل نشيط في «الكونغرس» على الإبقاء عليها.

وبعد تعرضه لضغوط من لجنة «إيباك» والقوى الأخرى المؤيدة لإسرائيل، عمل كلينتون على تعزيز تلك السياسة في ربيع عام 1995، بفرض الحظر الاقتصادي على إيران، لكن «إيباك» والآخرين أرادوا أكثر؛ فكانت النتيجة قانون العقوبات على إيران وليبيا عام 1996، الذي فرض العقوبات على أي شركة أجنبية تستثمر أكثر من 40 مليون دولار أميركي لتطوير الموارد النفطية في إيران أو ليبيا.

وكما لاحظ في ذلك الوقت المراسل العسكري لصحيفة «هاآرتس» زئيف شيف: «ما إسرائيل إلا عنصر بالغ الصغر في المخطط الكبير، لكن المرء لا يجب أن يستنتج أنه لا يستطيع التأثير على تلك العناصر الواقعة ضمن العالم السياسي والاجتماعي الضيق لواشنطن».

وعلى أي حال، فبحلول نهاية تسعينيات القرن العشرين، كان المحافظون الجدد يجادلون بأن «الاحتواء المزدوج» لم يكن كافياً، وأن تغيير النظام في العراق كان ضرورياً، وقد جادلوا بأنه عن طريق إسقاط صدام وتحويل العراق إلى ديموقراطية نابضة بالحياة، ستحفز الولايات المتحدة عملية بعيدة المدى للتغيير في كل أنحاء الشرق الأوسط.

كان نهج التفكير نفسه واضحاً في دراسة «Clean Break» التي كتبها المحافظون الجدد لنتنياهو.

وبحلول عام 2002، عندما كان احتلال العراق قيد الدراسة الجدية، كان الإيمان بضرورة التحول الإقليمي راسخاً في دوائر المحافظين الجدد.

وقد وصف الكاتب تشارلز كراوثامر هذا المخطط الكبير باعتباره من بنات أفكار ناتان شارانسكي، لكن الإسرائيليين من مختلف الاتجاهات السياسية، يرون أن إسقاط صدام سيغير تركيبة الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل.

ذكر ألوف في صحيفة «هاآرتس» (17 فبراير 2003): «قام كبار ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي، وأولئك المقربون من رئيس الوزراء آرييل شارون، مثل مستشار الأمن القومي إفرايم هاليفي، برسم صورة وردية للمستقبل الرائع الذي يمكن أن تتوقعه إسرائيل بعد الحرب؛ فتخيّلوا حدوث تأثير الدومينو، بحيث يلي سقوط صدام نهاية أعداء إسرائيل الآخرين... كما سيختفي الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل بزوال أولئك الزعماء.

حملة دمشق

وعندما سقطت بغداد في منتصف شهر أبريل عام 2003، بدأ شارون ومساعدوه وجنرالاته يحثون واشنطن على استهداف دمشق: ففي مقابلة معه نشرت في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في السادس عشر من أبريل، دعا شارون الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط «ثقيلة للغاية» على سورية، في حين أن وزير دفاعه، شاؤول موفاز، قال في مقابلة معه نشرت في صحيفة «معاريف»: «لدينا قائمة طويلة من القضايا التي نفكر بمطالبة السوريين بها، ومن الملائم أن يتم ذلك من خلال الأميركيين»، ومن جانبه، أخبر إفرايم هاليفي الحاضرين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أنّه من المهم الآن بالنسبة للولايات المتحدة أن تُظهر الشدة مع سورية، وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن إسرائيل كانت «تثير حملة» ضد سورية بتغذية الولايات المتحدة بتقارير استخباراتية بشأن أفعال الرئيس السوري بشار الأسد.

تبنى الأعضاء البارزون في اللوبي الحجج نفسها، فصرح وولفويتز بأنه «يجب أن يكون هناك تغيير للنظام في سورية»، وأخبر ريتشارد بيرل أحد الصحافيين قائلا إنه «يمكن تسليم رسالة قصيرة، رسالة من كلمتين إلى الأنظمة العدائية الأخرى في الشرق الأوسط: الدور عليك».

وفي أوائل أبريل، أصدر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقريرا مدعوماً من الحزبين، ينص على أن سورية «يجب ألا تغيب عنها رسالة أن البلاد التي تتبع مثل سلوك صدام المتهور، وغير المسؤول، والمتمرد يمكن أن تنتهي إلى مشاركته مصيره»، وفي الخامس عشر من أبريل، كتب يوسي كلين هاليفي مقالة في صحيفة «لوس أنجلس تايمز» حملت عنوان «الخطوة التالية، اضغطوا على سورية»، في حين كتب زيف شافيتس في اليوم التالي مقالة لصحيفة «نيويورك ديلي نيوز»، بعنوان «سورية الداعمة للإرهاب تحتاج إلى التغيير أيضاً»، وحتى لا يفوته الحفل، كتب لورانس كابلان في مجلة «نيو ريبابليك» في الحادي والعشرين من أبريل، أن الأسد يمثل تهديداً خطيراً لأميركا.

وبالعودة إلى مقر الكونغرس في كابيتول هِل، أعاد عضو الكونغرس إليوت إنغل طرح قانون المسؤولية السورية وإعادة السيادة اللبنانية، الذي يهدد بفرض عقوبات ضد سورية ما لم تنسحب من لبنان، وتتخلى عن أسلحة الدمار الشامل التي بحوزتها، وتتوقف عن دعم الإرهاب، كما يدعو سورية ولبنان إلى اتخاذ خطوات ملموسة للتصالح مع إسرائيل.

حظي هذا التشريع بدعم قوي من اللوبي - خصوصا لجنة «إيباك» – وتم «تأطيره»، حسب وكالة التلغراف اليهودية، من قبل «بعض أفضل أصدقاء إسرائيل في الكونغرس»، بيد أن إدارة بوش لم تكن متحمسة كثيراً له، لكن مشروع القانون المضاد لسورية تم إقراره بأغلبية ساحقة (398 إلى 4 في مجلس النواب؛ و89 إلى 4 في مجلس الشيوخ)، ووقعه بوش محولاً إياه إلى قانون في الثاني عشر من ديسمبر 2003.

الاستخبارات تتدخل

مازالت الإدارة نفسها منقسمة بشأن حكمة استهداف سورية، ورغم أن المحافظين الجدد كانوا متلهفين لشن حرب ضد دمشق، كانت وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية معارضتين للفكرة، حتى بعد أن وقع بوش على القانون الجديد، فقد أكد أنه سيمضي في تطبيقه بوتيرة بطيئة، من السهل إدراك سبب ازدواجيته هذه: أولاً، لم تكن الحكومة السورية تقوم بتزويد الولايات المتحدة بمعلومات استخباراتية مهمة بشأن «القاعدة» منذ الحادي عشر من سبتمبر فحسب، بل إنها حذرت واشنطن أيضاً من هجوم إرهابي مخطط لتنفيذه في منطقة الخليج، ومكّنت محققي وكالة الاستخبارات المركزية من الوصول إلى محمد زمار، وهو المجنَّد المزعوم لبعض الخاطفين المتورطين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لذلك فإن استهداف نظام الأسد سيعرض للخطر هذه الاتصالات الثمينة، وبذلك يقوض الحرب الأكبر على الإرهاب، ثانياً، لم يسبق أن كانت سورية على علاقات سيئة مع واشنطن قبل حرب العراق (حتى أنها صوتت لمصلحة قرار الأمم المتحدة رقم 1441)، ولم تكن تمثل في حد ذاتها تهديداً للولايات المتّحدة، لذا فإن التعامل معها بقسوة يجعل الولايات المتحدة تبدو كالوحش الشرس الذي يمتلك شهية نهمة لضرب الدول العربية، ثالثاً، إن وضع سورية على قائمة الاعتداءات يعطي دمشق حافزاً قوياً لإحداث المشاكل في العراق، وحتى إذا أراد المرء مواصلة الضغط عليها، فمن المنطقي أن ننتهي من العمل في العراق أولاً. وبرغم ذلك أصرّ الكونغرس على ممارسة الضغوط على دمشق، وذلك في معظمه استجابة للضغط من المسؤولين الإسرائيليين ومجموعات مثل لجنة «إيباك»، إذا لم يكن هناك لوبي، لم يكن ليصدر قانون مساءلة سورية، وكان من الممكن أن تكون السياسة الأميركية تجاه دمشق أكثر توافقاً مع المصلحة الوطنية.

يميل الإسرائيليون إلى وصف كل تهديد بأشد العبارات، لكن إيران يُنظر إليها على نحو واسع كأخطر أعدائهم لأنها الأقرب احتمالا لامتلاك الأسلحة النووية.

تعتبر الغالبية الساحقة من الإسرائيليين أن وجود بلد إسلامي في الشرق الأوسط مزود بالأسلحة النووية، يمثل تهديداً لوجودهم، وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، بنيامين بن إليعازر، قبل شهر من حرب العراق «يمثّل العراق مشكلة... لكنك يجب أن تفهم، إذا سألتني، إيران اليوم أكثر خطورة من العراق».

المعركة الكبرى

بدأ شارون في الضغط على الولايات المتّحدة لمواجهة إيران في نوفمبر من عام 2002، في مقابلة في صحيفة «التايمز» البريطانية، وصف شارون إيران باعتبارها «مركز الإرهاب العالمي»، وأنها مصممة على امتلاك الأسلحة النووية، لذا فقد أعلن أن إدارة بوش يجب أن تستخدم القوة ضد إيران «في اليوم التالي» لدحر العراق.

وفي أواخر أبريل من عام 2003، ذكرت صحيفة «هاآرتس»، أن السفير الإسرائيلي في واشنطن كان يدعو إلى تغيير النظام في إيران، فقد أشار إلى أن الإطاحة بصدام «لم يكن كافياً». وعلى حد تعبيره، فإن أميركا «يجب أن تتابع، فمازالت هناك تهديدات كبرى متصاعدة، قادمة من سورية وإيران».

وبدورهم، لم يضيع المحافظون الجدد أي وقت في الدفاع عن حجة تغيير النظام في طهران، ففي السادس من مايو، شارك معهد «أميركان إنتربرايز» في دعم مؤتمر بشأن إيران استغرق طوال النهار، وذلك مع مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ومعهد هدسون، وكلاهما من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، وكان المتحدثون جميعاً مؤيدين لإسرائيل بقوة، ودعا كثير منهم الولايات المتّحدة إلى استبدال النظام الإيراني بنظام ديموقراطي، وكالمعتاد، دافع سرب من المقالات التي كتبها محافظون جدد بارزون عن قضية ملاحقة إيران، وفي هذا السياق، كتب وليام كريستول في مجلة «ذي ويكلي ستاندارد» في الثاني عشر من مايو قائلاً، إن «تحرير العراق كان المعركة الكبرى الأولى من أجل مستقبل الشرق الأوسط... لكن المعركة الكبرى القادمة - التي، نتمنى، ألا تكون معركة عسكرية - ستكون من أجل إيران».

ردّت الإدارة على ضغط اللوبي بالعمل لوقت إضافي لإغلاق ملف برنامج إيران النووي، لكن واشنطن لم تحقق سوى نجاح محدود، فيما تبدو إيران مصممة على صنع ترسانة نووية. ونتيجة لذلك، شدد اللوبي ضغطه، فنشرت افتتاحيات ومقالات أخرى تحذر من أخطار وشيكة من إيران النووية، وتحذر من مغبة أي استرضاء لنظام «إرهابي»، وتلمح بصورة مبطنة إلى القيام بإجراء وقائي في حال فشلت المساعي الدبلوماسية.

كان اللوبي يدفع «الكونغرس» إلى الموافقة على قانون دعم حرية إيران، الذي يوسع نطاق العقوبات الحالية؛ كما حذر المسؤولون الإسرائيليون أيضا من أنهم قد يتخذون إجراءً وقائياً إذا واصلت إيران مساعيها النووية، وهي تهديدات يُقصد بها جزئياً أن تحافظ على اهتمام واشنطن بالموضوع.

صراع وطموحات

قد يرى المرء أن إسرائيل واللوبي لم يكن لهما تأثير كبير على السياسة الأميركية تجاه إيران، لأن الولايات المتحدة لديها أسبابها الخاصة لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية. هناك بعض الحقيقة في هذا، لكن طموحات إيران النووية لا تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، فإذا كان بوسع واشنطن أن تتعايش مع الاتحاد السوفييتي النووي، والصين النووية أو حتى كوريا الشمالية النووية، فبوسعها أيضا أن تتعايش مع إيران النووية. ولهذا كان على اللوبي أن يستمر في مواصلة الضغط على السياسيين بصورة ثابتة لمواجهة طهران، ومن المستبعد أن إيران والولايات المتحدة كانتا ستصبحان حليفتين إذا لم يكن اللوبي موجوداً، لكن السياسة الأميركية كانت ستصبح أكثر اعتدالاً، وبالتالي فإن الحرب الوقائية لم تكن سترد كخيار جدي.

ليس من المفاجئ أن ترغب إسرائيل وأنصارها من الأميركيين في أن تقوم الولايات المتحدة بالتعامل مع أي من، وجميع، التهديدات التي تمس أمن إسرائيل، وإذا نجحت جهودهم لصياغة السياسة الأميركية، سيصبح أعداء إسرائيل ضعفاء أو تتم إطاحتهم، وستمتلك إسرائيل سلطة مُطلقة على الفلسطينيين، فيما تقوم الولايات المتحدة بمعظم القتال، والموت، وإعادة الإعمار، والدفع، لكن حتى إذا فشلت الولايات المتحدة في تحويل الشرق الأوسط، ووجدت نفسها في صراع مع عالم عربي وإسلامي متزايد التطرف، ستنتهي إسرائيل إلى تلقي الحماية من القوة العظمى الوحيدة في العالم، ليست هذه نتيجة مثالية من وجهة نظر اللوبي، لكن من الواضح أنها مفضلة على قيام واشنطن بإبعاد نفسها، أو استخدام نفوذها لإجبار إسرائيل على إبرام اتفاقيات سلام مع الفلسطينيين.

هل يمكن تقليص قوة اللوبي؟ يود المرء أن يعتقد ذلك، بالنظر إلى كارثة العراق، والحاجة الواضحة إلى إعادة بناء صورة أميركا في العالمين العربي والإسلامي، والمفاجآت الأخيرة بشأن قيام مسؤولين في لجنة «إيباك» بتسريب أسرار حكومية أميركية إلى إسرائيل.

وقد يعتقد المرء أيضا أن وفاة عرفات وانتخاب محمود عباس الأكثر اعتدالاً، سيدفعان واشنطن إلى الضغط بقوة وبإنصاف لإبرام اتفاقية سلام، باختصار، هناك أسس كافية للزعماء لإبعاد أنفسهم عن اللوبي وتبني سياسة شرق أوسطية أكثر اتساقاً مع المصالح الأميركية الأشمل، وبشكل خاص، يساعد استخدام القوة الأميركية لتحقيق السلام العادل بين إسرائيل والفلسطينيين على تعزيز قضية الديموقراطية في المنطقة.

لكن ذلك لن يحدث، ليس عما قريب على أي حال، إن لجنة «إيباك» وحلفاءها (بمن فيهم الصهاينة المسيحيون) ليس لهم معارضون خطرون في عالم جماعات الضغط السياسي. وهم يعرفون أن تهميش إسرائيل كقضية بات أكثر صعوبة، لذا فهم يردون بتعيين المزيد من الموظفين وتوسيع أنشطتهم، وبالإضافة إلى ذلك، يبقى السياسيون الأميركيون شديدي الحساسية للمساهمات المتعلقة بالحملات الانتخابية، وغيرها من أشكال الضغط السياسي، ومن المرجح أن تبقى وسائل الإعلام الرئيسية متعاطفة مع إسرائيل مهما فعلت.

بصيص الأمل

يسبب نفوذ اللوبي إزعاجاً على العديد من الصعد: فهو يزيد الخطر الإرهابي الذي تواجهه الدول جميعها، بما فيها حلفاء أميركا الأوروبيون؛ كما جعل من المستحيل إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وهو وضع يمنح المتطرفين أداة قوية لتجنيد الأتباع، ويزيد عدد الإرهابيين والمتعاطفين المحتملين، ويساهم في إذكاء روح الراديكالية الإسلامية في أوروبا وآسيا.

وهناك أمر يثير القلق على نحو مساو، وهو أن حملة اللوبي لتغيير النظام في إيران وسورية قد تدفع الولايات المتحدة إلى مهاجمة هذين البلدين، مما ستكون لها تأثيرات كارثية بحق، فنحن لسنا بحاجة إلى عراق آخر، وعلى أقل تقدير، فإن عداوة اللوبي تجاه سورية وإيران تجعل قدرة واشنطن على دمجهما في جهود الكفاح ضد «القاعدة» والتمرد العراقي، حيث توجد حاجة ماسة إلى مساعداتهما، أمراً شبه مستحيل.

هناك بُعد أخلاقي هنا أيضاً: فبفضل اللوبي، أصبحت الولايات المتحدة المعاون الفعلي للتوسع الإسرائيلي في المناطق المحتلة، مما يجعلها متواطئة في الجرائم التي تُرتكب ضد الفلسطينيين. ويُضعف هذا الوضع جهود واشنطن للترويج للديموقراطية في الخارج، ويجعلها تبدو منافقة عندما تضغط على الدول الأخرى لاحترام حقوق الإنسان؛ كما تبدو الجهود الأميركية للحد من انتشار الأسلحة النووية نفاقية على حد سواء، بالنظر إلى استعدادها للقبول بترسانة إسرائيل النووية، الأمر الذي يشجع إيران وغيرها على السعي إلى امتلاك إمكانات مماثلة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن حملة اللوبي لقمع النقاش بشأن إسرائيل غير صحي بالنسبة للديموقراطية، فإسكات المتشككين بتنظيم القوائم السوداء ومقاطعتهم - أو بالتلميح إلى أن المنتقدين معادون للسامية - ينتهك مبدأ النقاش المفتوح الذي تعتمد عليه الديموقراطية.

إن عجز «الكونغرس» عن إجراء نقاش حقيقي بشأن هذه القضايا المهمة يشل كامل عملية التشاور الديموقراطي. يجب أن يكون مساندو إسرائيل أحراراً في عرض قضيتهم وتحدي من يختلفون معهم، لكن الجهود التي يبذلونها لخنق النقاش بالتخويف يجب أن تُدان وبشدة.

وأخيراً، فقد كان نفوذ اللوبي سيّئاً على إسرائيل، فقدرته على إقناع واشنطن بدعم جدول أعمال توسعي ثبط عزيمة إسرائيل عن اقتناص الفرص - بما فيها إبرام معاهدة سلام مع سورية والتطبيق العاجل والكامل لاتفاقيات أوسلو - التي كانت ستنقذ أرواح إسرائيليين وتقلص صفوف المتطرفين الفلسطينيين.

من المؤكد أن جَحد الحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين لم يجعل إسرائيل أكثر أمناً، كما أن الحملة الطويلة لقتل أو تهميش جيل من الزعماء الفلسطينيين، زاد من قوة الجماعات المتطرفة مثل «حماس»، وقلّل من عدد الزعماء الفلسطينيين الراغبين في الموافقة على تسوية عادلة، والقادرين على إنجاحها.

ربما كانت إسرائيل نفسها ستكون أفضل حالاً إذا كان اللوبي أقل قوة والسياسة الأميركية أكثر إنصافاً.

على أي حال، هناك بصيص من أمل، فبرغم أن اللوبي يظل قوة مؤثرة، فالتأثيرات الضارة لنفوذه يصعب جداً إخفاؤها، من الممكن للدول القوية الاحتفاظ بسياسات خاطئة لبعض الوقت، لكن لا يمكن التعامي عن الحقيقة إلى الأبد.

إن ما نحتاج إليه هو مناقشة صريحة لنفوذ اللوبي وتأثيره، ونقاشا أكثر انفتاحاً بشأن المصالح الأميركية في هذه المنطقة الحيوية، فالحياة الهانئة لإسرائيل واحدة من تلك المصالح، لكن احتلالها المستمر للضفة الغربية وجدول أعمالها الإقليمي التوسعي ليس خيراً كذلك.

سيكشف النقاش المفتوح عن حدود الحجة الاستراتيجية والأخلاقية للدعم الأميركي الأحادي الجانب، ومن الممكن أن يحرك الولايات المتحدة إلى موقع أكثر اتساقاً مع مصلحتها الوطنية الخاصة، مع مصالح الدول الأخرى في المنطقة، ومع المصالح البعيدة المدى لإسرائيل أيضاً.

خيوط من الحملة ضد سورية وإيران

• موفاز لصحيفة «معاريف»: «لدينا قائمة طويلة من القضايا التي نفكر بمطالبة السوريين بها، ومن الملائم أن يتم ذلك من خلال الأميركيين».

• يوسي كلين هاليفي في مقال بـ «لوس أنجلس تايمز»: «الخطوة التالية، اضغطوا على سورية».

• زيف شافيتس لصحيفة «نيويورك ديلي نيوز»: «سورية الداعمة للإرهاب تحتاج إلى التغيير أيضاً».

• صحيفة «التايمز» البريطانية: شارون يصف إيران بأنها «مركز الإرهاب العالمي»، ويطالب إدارة بوش باستخدام القوة ضدها «في اليوم التالي» لدحر العراق.

• «واشنطن بوست»: إسرائيل كانت «تثير حملة» ضد سورية، بتغذية واشنطن بتقارير استخباراتية بشأن أفعال الرئيس السوري بشار الأسد.

• وولفويتز: يجب أن يكون هناك تغيير للنظام في سورية.

وليام كريستول في مجلة «ذي ويكلي ستاندارد»: «تحرير العراق كان المعركة الكبرى الأولى من أجل مستقبل الشرق الأوسط... لكن المعركة الكبرى القادمة - التي نتمنى ألا تكون معركة عسكرية - ستكون من أجل مواجهة إيران».

• ريتشارد بيرل: يمكن تسليم رسالة قصيرة، رسالة من كلمتين إلى الأنظمة العدائية الأخرى في الشرق الأوسط: الدور عليك».

سفير إسرائيل لدى واشنطن يدعو أميركا إلى الانتباه: «فمازالت هناك تهديدات كبرى ومتصاعدة، قادمة من سورية وإيران».

• معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: «يجب ألا تغيب عن سورية رسالة أن البلاد التي تتبع مثل سلوك صدام المتهور، وغير المسؤول، والمتمرد يمكن أن تنتهي إلى مشاركته مصيره».

• الاستخبارات والخارجية الأميركيتان تقلصان من ضغوط اللوبي الرامية إلى إسقاط النظام السوري.

back to top