20 مليون دينار للأخ ترشيد بن مغواط
قصة حملة «ترشيد» وتوقيتها يثيران أسئلة عدة، منها: ما هي استعدادات الطوارئ المضاعفة التي يتحدث عنها مسؤولو الكهرباء؟ ولماذا يتحمل الناس سوء تخطيط الوزارة؟ وما مبررات هذه الحملة الإعلامية الضخمة؟ ولماذا 20 مليون دينار؟
في العام الماضي وأثناء مطالبات بعض أعضاء مجلس الأمة بزيادة رواتب الموظفين، كان مسؤولو مؤسسة التأمينات الاجتماعية يرفضون هذه الزيادة بحجة أنه سيترتب عليها عجز اكتواري في حسابات المؤسسة، وأصبح مصطلح «الاكتواري» مجالاً للتندر على لسان كثير من الناس، مع أن أغلبهم لا يعرف معناه المحاسبي، فيقول شخص ممازحاً صديقه «الكتواري (يقصد الاكتواري) من وين طلع لنا؟ هو من أي حمولة؟» ليأتي رد الصديق «يقولون من حمولة الطن ونص»!هذه السنة ابتدعت وزارة الكهرباء فكرة حملة إعلانية ودعائية ضخمة أسمتها «ترشيد»، في محاولة منها لترشيد استهلاك الكهرباء خلال فصل الصيف تحت مبرر منع انقطاع التيار الكهربائي.بالطبع، شكل هذه الحملة أو أسلوبها ليس بغريب علينا، فهو يذكرنا بأسلوب حملة «غراس» وأخواتها. لكن المثير للاستغراب هو حجم هذه الحملة الدعائية وضخامتها التي من كثرة ما كُررت في جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع وعلى الحافلات العامة، وعن طريق الرسائل القصيرة وفي الطرقات بشكل لافت وبلغات مختلفة، فإن الناس بدأت تتساءل عن مقدار التكلفة المالية لهذه الحملة الإعلانية الضخمة؟ وما هو مرودها؟ وهل يتناسب هذا المرود مع التكلفة؟ولم يقتصر الأمر على التكلفة المالية وحدها، بل إن كلمة «ترشيد»، كما هو حال مصطلح «الاكتواري»، دخلت قاموس اللهجة الكويتية إلى درجة أن أحد الظرفاء علق ممازحاً أنه نسي اسم مسؤوله في العمل وأصبح يناديه «ترشيد». وعندما سئل في أحد المرات لماذا يا أبو فلان؟ أجاب: من كثرة تكرار كلمة «ترشيد» في هذه الحملة، ولأن رسائلها القصيرة مباغتة وتأتي من دون استئذان، وفي أوقات مزعجة، وأيضا تحمل صفة التهديد «اقتربنا الآن من التشغيل الخطر. سارع .....» على وزن «جاك الموت يا تارك الصلاة»، وهي بعض من صفات وعبارات مسؤولنا، كما يقول هذا الصديق!!صديقنا الظريف هذا، بالطبع، لا يعرف أن تكلفة حملة الأخ «ترشيد» هي «فقط» عشرون مليون دينار كويتي... «يا بلاش»!! ويقال إنه قد تمت ترسيتها على بعض «المحظوظين» بشكل مباشر وبدون الالتزام بشروط المناقصات. ورغم هذا، فإن «بن مغواط» (الميغاواط) اللعين لا يزال يتقدم نحونا بخطوات ثابتة مدججاً بأسلحة الظلام الدامس والحر والرطوبة الكريهة، ولذلك فإن الخطر كما تسميه وتبشر به رسائل الحملة لا يزال يهددنا «جايكم جايكم».ويبدو أن ذلك صحيحاً، فإن نجونا من خطر قطع التيار الكهربائي خلال هذا الجو القائظ، فمن سيحمينا من الآثار النفسية للقلق والاستفزاز والتهديد والرعب التي ستخلفها فينا إعلانات ودعايات «حرب» الأخ «ترشيد»، كالشكل الاستفزازي للمنبه (ساعة الأحمال الكهربائية) على شاشة التلفاز وعلى بعض المباني الرسمية، والرسائل القصيرة على الهاتف النقال، وإعلانات الشوارع باللغات المختلفة التي تحجب الرؤية، وتوضع بدون ترخيص من البلدية، بشكل يوحي بأن منفذها له علاقة بأحد متنفذي البلدية، وغيرها من الإعلانات التي هلت علينا طوال فصل الصيف، مهددة ومتوعدة بأن الخطر وشيك، وكأننا في حال حرب حقيقية.إضافة إلى ذلك، فإن الحملة خلقت مادة دسمة لتهكم أشقائنا في الدول العربية علينا نحن الدولة النفطية الثرية التي لا تستطيع توفير خدمة الكهرباء لسكانها بشكل مريح!إن قصة هذه الحملة وتوقيتها يثيران أسئلة عدة منها: ما هي استعدادات الطوارئ المضاعفة التي يتحدث عنها مسؤولو الكهرباء؟ ولماذا يتحمل الناس سوء تخطيط الوزارة؟ وما مبررات هذه الحملة الإعلامية الضخمة؟ ولماذا 20 مليون دينار؟ وعلى من تمت ترسيتها... وكيف تم ذلك؟وهنالك سؤال آخر أيضا هو: يا ترى لو وفرنا تكاليف حملة الأخ «ترشيد بن مغواط» وإخوانه، فإلى أي مدى سيساهم ذلك في حل حالة العجز التي يعانيها «الأستاذ» اكتواري التأمينات الاجتماعية، وهل سيعجل ذلك بالموافقة على زيادة رواتب ذوي الدخول المحدودة التي لم يطرأ عليها أي تغيير منذ مدة طويلة وقبل ولادة الأخ «ترشيد» والأستاذ «اكتواري»؟!