Ad

وهذه الجزئية تحديداً أي الانقلاب على القناعات والمبادئ بمجرد الوصول إلى «الكرسي» الوزاري أو النيابي، لها ما يؤكدها في التجربة السياسية الكويتية، فكم من وزير كويتي كان حاملاً لهذا الفكر، ارتد عن إيمانه بأفكاره بمجرد وصوله إلى كرسي الوزارة، كما حدث لدينا في الإعلام والتربية والمالية على وجه الخصوص في فترات متفاوتة خلال السنوات الخمس الماضية.

عنوان المقال هو لإحدى حلقات مسلسل «طاش ما طاش» التي عرضت يوم السبت الماضي. الحلقة سلّطت الضوء على جملة من المفارقات والاسقاطات المتعلقة بليبراليي المملكة العربية السعودية كنموذج لا أعتقد أنه يختلف كثيراً عن النماذج الأخرى وخصوصاً لدينا في الكويت. وبحسب تناول ومعالجة الحلقة للموضوع فإن تسلسل الأحداث وما دار بين شخوصه من نقاشات ومواقف، يتماشى مع ما ذكرته في مقال سابق بأنه لا يوجد لدينا فكر ليبرالي سياسي، بل لا يوجد لدينا ليبراليون بالمعنى الحقيقي المطابق لمفهموم «الليبرالية»، فمن يتسمون بهذا المسمى حاليا، هم بقايا القوميين والناصريين والماركسيين والشيوعيين وغيرهم، هو ما حاول كاتب الحلقة الإشارة إليه من خلال أسماء الشخصيات في الحلقه «ابو يعرب» و«أبو نضال» على سبيل المثال.

ولعل أبرز ما حملته تلك الحلقة من واقع الحال الذي يعيشه «التيار المدني» في المملكة والكويت ثم دول الخليج، هي السلبية وروح الانهزام أمام مد التيار الديني، عبر الانكفاء على النفس وترك الساحة لرموز التيار الإسلامي «السياسي» وكتابه، لنشر ثقافتهم من أجل شرعنة وجودهم وبالتالي الاقتراب أكثر فأكثر من مؤسسات صنع القرار في دول المنطقة.

وبعيداً عن التسليم بما جاء في المسلسل، فإنه يكشف كذلك الجدلية العقيمة التي انشغل بها ليبراليو الألفية الثانية، خلال ذلك المشهد الذي يتحدث فيه أبطال الحلقة عن تعريفهم لمفهوم «المثقف» وهل دوره كشف الممارسات الخاطئة للسلطة، أم التطبيل لها وتلميعها، على أن ذلك النقاش في النهاية كشف الحقيقة المُرة، وهي أن رموز التيار المدني يكفرون بمبادئهم بمجرد ارتمائهم في أحضان السلطة، عبر شخصية الدكتور الجامعي عبدالله أحد منظريهم الذي انقلب على المجموعة بمجرد أن عُين رئيساً لتحرير الصحيفة بدلاً من ناصر القصبي الذي فُصل من رئاستها إثر مقال نشره انتقد فيه مجلس الشورى، وهو في الأصل من شجعه على كتابة ذلك المقال.

وهذه الجزيئة تحديداً، أي الانقلاب على القناعات والمبادئ بمجرد الوصول إلى «الكرسي» الوزاري أو النيابي، لها ما يؤكدها في التجربة السياسية الكويتية، فكم من وزير كويتي كان حاملاً لهذا الفكر، ارتد عن إيمانه بأفكاره بمجرد وصوله إلى كرسي الوزارة، وكلهم أكاديميون للأسف. موضوع كرّسه أيضاً بعض النواب الذين تحولوا من مدافعين عن المال العام إلى مشاركين بقصد أو بغير قصد في تبديده، قبل أن تفاجئهم غضبة الشارع في انتخابات مجلس 2003، ليجدوا أنفسهم يحملون اسم «نواب سابقون».

على أن الطامة الكبرى من وجهة نظري هي تلك الثلة المثقفة ممن كانوا يمثلون رموزاً للفكر الليبرالي قبل أن يتحولوا من خلال ما يكتبونه في أعمدتهم أو يطرحونه في دواوينهم، إلى بالونات اختبار تطلقها السلطة للتحريض على حل مجلس الأمة بين فترة وأخرى، حتى انهم أصبحوا كالناطقين باسمها، ومكمن الخطورة هنا أن الوزير قد يقال أو يستقيل، والنائب قد يسقط ويفقد مقعده، أما الكاتب فإنه مستمر في نشر أفكاره ما بقي له يوم في الحياة.

* * *

غطاية اليوم

سنوات طويلة لم نسمع له صوتاً، فقط عندما أصبح نظام الـ25 دائرة في عداد المفقودين وتقبلت قوى الفساد العزاء فيه، أدرك أن أمل نجاحه في الدوائر الخمس كعشم «شوشو» في الجنة، حينها هاج وماج، لكن مشكلته أنه ناطح الجبال التي لا تحيد عن مواقفها... لينطبق عليه المثل القائل «سكت دهراً ونطق كفراً» ... فمن هو؟