الإحساس والفعل... بين الفرد والمجتمع
لقد نجحت أنظمة الحكم العربية في دفع المواطن إلى الفصل التام بين إحساسه وشعوره الشخصي من جهة، ورد فعله الجماعي من جهة أخرى، فالمواطن العربي يتعاطف مع الفلسطينيين ويتمنى إنهاء خلافاتهم ولكنه -هو نفسه- لا يرغب في القيام بأي فعل جماعي في هذا الاتجاه. يقال إن الفرد هو نواة المجتمع، والمجتمع مجموعة من الأفراد ذات سمات مشتركة تزيد وتقل، فترتفع أحياناً إلى درجة التماثل كما في مجتمع الأسرة الواحدة، وقد تختلف بعض الشيء في مجتمع الوطن –البلد الواحد- مع اختلاف الديانات والثقافات المتعددة، وقد لا تتفق سوى في شيء واحد كالصفة الإنسانية مثل المجتمع الذي يضم رجل الشمال الأميركي والجنوب الإفريقي فهما في مجتمع إنساني واحد. ومن الطبيعي أن يكون الفعل الجماعي للمجتمع متسقاً ومتناسباً، وفي نفس اتجاه الإحساس الشخصي لأفراد هذا المجتمع... وعلى سبيل المثال فما حدث في الأسبوع الماضي من مظاهرات حب وفرح شملت كل أرجاء مصر وبعض مناطق الوطن العربي هو بالتأكيد فعل جماعي في اتجاه الفرحة الذاتية لأفراد المجتمع العربي نتيجة فوز مصر بكأس أفريقيا لكرة القدم، وهذا هو الطبيعي والمعتاد ولكن في الجانب السياسي لا نجد ذلك الارتباط واضحاً بل نجد العكس تماماً، فالإحساس الشخصي والشعور الذاتي بقضية ما يختلف عن الفعل الجماعي لأفراد هذا المجتمع تجاه نفس القضية!! فإذا سألت أي مواطن عربي عن رأيه في ما يحدث في فلسطين والأراضي المحتلة مثلا ستذرف عيناه الدموع ويخبرك أنه حزين للاقتتال والخلاف بين «حماس» و«فتح» وأنه يرغب في وحدة الصف الفلسطيني، ولكن كرد فعل جماعي لا تجد أي صدى لهذا الإحساس والشعور، فلا المجتمع قادر على تحقيق شيء ولا الحكومات العربية راغبة في عمل شيء، فهي مكتفية بدور المتفرج، وللأسف المتفرج غير الذكي. لقد نجحت أنظمة الحكم العربية في دفع المواطن إلى الفصل التام بين إحساسه وشعوره الشخصي من جهة، ورد فعله الجماعي من جهة أخرى، فالمواطن العربي يتعاطف مع الفلسطينيين ويتمنى إنهاء خلافاتهم ولكنه –هو نفسه- لا يرغب في القيام بأي فعل جماعي في هذا الاتجاه. لقد أحدثت الحكومات العربية هذا الانفصال لدى المواطن وأصبح المواطن سعيداً بهذا، فإذا سألته أجابك أنه يتمنى أن يحدث كذا وكذا ويشعر بوجوب عمل كذا، ولكن إذا طالبته بالبدء في الفعل الجماعي تجده يتباطأ أو يتكاسل أو على الأقل يفقد حماسه. وبالتأكيد فهذا الانفصال بين الإحساس والفعل لدى المواطن لم يأت فجأة أو بين ليلة وضحاها، ولكنه نتاج سنوات طويلة من الظلم والقهر الذي يتعرض له المواطن العربي البسيط على أيدي الأنظمة العربية إلى الدرجة التي فقد معها ثقته بنفسه وثقته بقدرته على الفعل الجماعي، فاكتفى بالإحساس الشخصي والشعور الذاتي، وهذا تحديداً ما يريده الحكام العرب من شعوبهم. ويبقى سؤال النهاية بلا إجابة احتراماً لذكاء القارئ: لمَ تسع أنظمة الحكم العربية إلى الفصل بين إحساس المواطن الذاتي وفعله الجماعي؟!