خذ وخل: موسم الإضرابات!

نشر في 21-11-2007
آخر تحديث 21-11-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

المدهش هنا أن بعض الوزارات والوزراء، يجابهون المظاهرات كما لو أنها «موسم» مناخي طبيعي مألوف، ولذا لا يستوجب سوى «الطناش» والإهمال، أو بحلول ترقيعية تتوجه إلى معالجة العرض لا المرض، والأنكى من ذلك أنها تعالجه بالمسكنات والمهدئات، اتكاءً على أن الزمن سيتكفل بحلها بطريقة أو بأخرى! ولست بحاجة إلى الإشارة إلى أن سياسة «حسيبك للزمن» تزيد طين المشكلة بلة.

*رغم اعتقادي بأن الإضراب والتظاهر والاعتصام وما إلى ذلك من وسائل الاحتجاج تمثل حقاً مشروعاً للمواطن الراغب في إعلان موقفه الرافض المحتج، فإنني أود أن أسأله لو أنه صحا من نومه ذات صبحية فوجد بيته خاوياً خاليا من «الشغيلة» الذين يديرون شؤون بيته، ويربون عياله، ويطبخون، ويزرعون، ويحلبون المواشي، ويخدمون ربة البيت، فماذا يفعل؟!

كلنا يعرف اعتماد العائلة الكويتية على الخدم والحشم وطابور «الشغيلة» الذي يصطف فيه الطباخ والمربية والسائق والشغالة والمزارع و«المدلك» والأم بالوكالة التي تقوم «بتربية» الأطفال والاعتناء بهم طوال فترة طفولتهم، من هنا يبدو غيابهم المفاجئ على حين غرة أنه سيكون خبراً مهماً يتجلى «مانشيتا» بارزاً في الصفحات اليومية من صحفنا السيارة!

وحين تسأل عن سر غياب «الشغيلة» من البيت والشاليه والمزرعة يقال لك إن «البروليتاريا» الآسيوية المتعددة الجنسيات قامت بإضراب عام مفتوح إلى حين زيادة أجورهم الشهيرة المتدنية غير العادلة!

فأنت الآن كرّب بيت تكابد وتجابه موقفاً حرجاً يضاهي موقف الحكومة الرشيدة حين تفاجأ بإضراب نقابة ما. إن اضراب «الشغيلة» الكادحين افتراضي، لكن إمكان حدوثه وارد جدا. فمن شابه مولاه و «معزبه» أو معذبه- لا فرق- فما ظلم!

*من هنا «أتساءل كيف سيجابه السادة المضربون مسألة إضراب «الشغيلة» الذين يعملون في بيوتهم وأملاكهم؟! هل سيقلدون موقف الحكومة الرشيدة تجاه الإضرابات القائمة حالياً؟! أم أنهم سيعالجونها بعين العدل والإنصاف والرحمة؟! والحق أنه منذ أن بدأت الإضرابات تهطل على الديرة كسيل عرم، بت أكابد «فوبيا» إضراب «الشغيلة» في البيوت؛ فإذا كان إيقاع حياتنا اليومية المنزلية ينقلب رأساً على عقب إذا سافرت المربية- مثلاً- في إجازة، فكيف يكون حالنا إذا غابوا كلهم في وقت واحد بداعي الإضراب، وتوسلاً إلى الاحتجاج على تدني المقسوم الذي يقبضونه آخر الشهر، وعدم عدالته! فإذا كان ربُ البيت من حقه أن يضرب ويمارس شتى أشكال وتجليات الرفض والاحتجاج، فمن البديهي أن ينسحب الحق ذاته إلى (معشر الشغيلة) حريماً ورجالاً! لكن الكثيرين لا يؤمنون أبداً بأن من حق العمال

و«الشغيلة» في البيوت والمصانع والمزارع وغيرها، ممارسة حقهم في التعبير عن عدم رضاهم عن أجورهم. والحق أن من حقنا وواجبنا توقع غياب «الشغيلة» في قادم الأيام والسنين كي لا نؤخذ على حين غرة، كما حدث لنا أثناء الاحتلال.

*والسؤال الذي يطرح نفسه هو لِمَ الخشية المرضية الناشئة عن غياب «شغيلة» البيوت ومغادرتهم لها احتجاجا على سوء المعاملة، وتدني الأجور؟! ولعل هذه الخشية مردها أن يقوم «الشغيلة» بتقليد السادة أرباب البيوت الذين تتناسل الإضرابات بينهم كما الأرانب! نقول ذلك مع الاعتذار الشديد... للأرانب بطبيعة الحال! والعبدلله يتمنى أن تراوح الخشية المرضية «الفوبيا» من إضراب «الشغيلة» محصورة في فضاء الخيال المتوجس فقط، ولا تتحول إلى فعل يشل الحياة اليومية في البيوت وغيرها! وهذا لن يتأتى لنا إلا حين تكون علاقتنا بمن يعمل عندنا سوية لا يشوبها ظلم ولا تكبر ولا أي ممارسة تصادر حقوق «الشغيلة» بأي صيغة كانت.

والمدهش هنا أن بعض الوزارات والوزراء، يجابهون المظاهرات كما لو أنها «موسم» مناخي طبيعي مألوف، ولذا لا يستوجب سوى «الطناش» والإهمال، أو بحلول ترقيعية تتوجه إلى معالجة العرض لا المرض، والأنكى من ذلك أنها تعالجه بالمسكنات والمهدئات، اتكاءً على أن الزمن سيتكفل بحلها بطريقة أو بأخرى! ولست بحاجة إلى الإشارة إلى أن سياسة «حسيبك للزمن» تزيد طين المشكلة بلة.

لكن شيخ الفلكيين العم صالح العجيري طال عمره لم يذكر في تقويمه أي إشارة بشأن «موسم» الإضرابات التي تعم البلاد هذه الأيام، ربما لأن «الظاهرة» لم ترصدها عيون و»تليسكوبات» المراصد الاجتماعية المفترض وجودها في مؤسسات الأبحاث! ولم ينقذ الحكومة الرشيدة من ورطة الإضرابات سوى الأمر السامي الذي صدر عن صاحب السمو الأمير، حفظه الله، بشأن دراسة إمكان رفع الأجور والمرتبات للعاملين في القطاع العام! وهكذا حصلت الحكومة الرشيدة على الخلاص من حيث لا تحتسب!

إذا كان ربُ البيت من حقه أن يضرب ويمارس شتى أشكال وتجليات الرفض والاحتجاج، فمن البديهي أن ينسحب الحق ذاته إلى (معشر الشغيلة) في البيوت والمصانع والمزارع؛ حريماً ورجالاً!

back to top