ينتمي سلمان الفارسي الى أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان والده دُهْقانها (رئيسها) واجتهد في المجوسية حتى كان يدعى بقاطن النار (ملازماً لها) الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكان لأبيه ضَيْعَة (أرض)، أرسله إليها يوما فخرج فمر بكنيسة للنصارى، وسمعهم يصلُّون فأعجبته صلاتهم فلم يذهب إلى الضيعة ولا رجع الى والده حتى بعث في أثره من يبحث عنه وحينما عاد بعد غروب الشمس حكى لابية ماسمعه وشاهده فأوثقة بالحديد من رجليه وحبسه ويحكي سلمان... أرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم، وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام أن يخبروني قبل عودتهم إليها؛ لأرحل معهم، وقد فعلوا فحطمت الحديد، وخرجت، وانطلقت معهم إلى الشام، وهناك سألت عن عالمهم فقيل لي: هو الأسقف (رئيس من رؤساء النصارى) صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم وأصلي وأتعلم، وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، إذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها على الفقراء، ولكنه كان يكتنـزها لنفسه.

Ad

ومر سلمان بأحداث جسام أسقف يحيله الى أسقف ومن مدينة الى مدينة وذات يوم مر به ركب رحل معهم الى جزيرة العرب إلا انهم باعوه الى رجل يهودي أقام عنده يعمل على نخلاته حتى اذا سمعه يتحدث مع رجل عن نبي في مكة هو الان في قباء، وفي المساء عزم سلمان أمره للذهاب اليه ويقول سلمان دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته كما أحدثكم الآن، ثم أسلمت، وحال الرقُّ بيني وبين شهود (حضور) بدر وأحد، وذات يوم قال الرسول (كاتب سيدك حتى يعتقك)، فكاتبته، وأمر الرسول (الصحابة كي يعاونوني وحرر الله رقبتي، وعشت حُراً مسلماً، وشهدت مع رسول الله (غزوة الخندق والمشاهد كلها. وكان سلمان هو الذي أشار بحفر الخندق حول المدينة عندما أرادت الأحزاب الهجوم على المدينة، وعندما وصل أهل مكة المدينة، ووجدوا الخندق، قال أبو سفيان: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. ووقف الأنصار يومها يقولون: سلمان منا، ووقف المهاجرون يقولون: بل سلمان منا، وعندها ناداهم الرسول قائلاً (سلمان منا آل البيت) ومما يحكى عن زهده أنه كان أميراً على المدائن في خلافة الفاروق عمر، وكان عطاؤه من بيت المال خمسة آلاف دينار، لا ينال منه درهماً واحداً، ويتصدق به على الفقراء والمحتاجين، ويقول (أشتري خوصاً بدرهم فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيتُ) ويروى أنه كان أميراً على سرية، فمرَّ عليه فتية من الأعداء وهو يركب حماراً، ورجلاه تتدليان، وعليه ثياب بسيطة مهلهلة، فسخروا منه، وقالوا للمسلمين في سخرية وازدراء: هذا أميركم؟ فقيل لسلمان: يا أبا عبدالله ألا ترى هؤلاء وما يقولون؟ فقال سلمان: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.

ومما رُوي في تواضعه أنه كان سائراً في طريق، فناداه رجل قادم من الشام ليحمل عنه متاعه، فحمل سلمان متاع الرجل، وفي الطريق قابل جماعة من الناس فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام، وأسرع أحدهم نحوه ليحمل عنه قائلا: عنك أيها الأمير، فعلم الشامي أنه سلمان الفارسي أمير المدائن، فأسْقَطَ ما كان في يديه، واقترب ينتزع الحمل، ولكن سلمان هزَّ رأسه رافضاً وهو يقول: لا، حتى أبلغك منزلك. ودخل صاحب له بيته، فإذا هو يعجن فسأله: أين الخادمة؟ فقال سلمان: لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.

وحين أراد سلمان بناء بيت له سأل البنّاء: كيف ستبنيه؟ وكان البنّاء ذكياً يعرف زهد سلمان وورعه، فأجابه قائلاً: لا تخف، إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت (نمت) فيها أصابت رجلك. فقال له سلمان: نعم، هكذا فاصنع. يلقب سلمان الفارسى بسلمان الخير أو الباحث عن الحقيقة، وكان إذا سئل مَنْ أنت؟ قال: أنا ابن الإسلام، من بني آدم، وقد اشتهر بكثرة العبادة، وكثرة مجالسته للنبي فلم يفارقه إلا لحاجة، وكان النبي (يحبه حبّاًً شديداً، وسماه أبو هريرة صاحب الكتابين (يعني الإنجيل والفرقان)، وسمَّاه علي بن أبي طالب لقمان الحكيم، وقد آخى النبي ( بينه وبين أبي الدرداء، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان سنة (35هـ).