الأوروبيون تحت التهديد

نشر في 24-01-2008
آخر تحديث 24-01-2008 | 00:00
 رزان زيتونة

تعتقد الأنظمة العربية أنها هي المثال والأصل والقدوة، ولأنها تشبه بعضها بعضاً فهي تخال أن العالم كله يشبهها، وتنسى تلك الأنظمة أن المجتمع المدني في الدول الغربية، هو من تظاهر وضغط وحقق انتصارات عديدة في وجه حكوماته، من أجل التراجع عن انتهاكات ارتكبتها في مجال حقوق الإنسان.

أحد أكثر ردود الفعل المصرية طرافة، على قرار البرلمان الأوروبي حول حقوق الإنسان في مصر، هو تهديد الدول الأوروبية بفتح سجلها «المخجل» في مجال حقوق الإنسان، المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية يقول إن القاهرة لا تقبل أي محاولة من أي دولة أو أي جهة أخرى للتعليق على أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وإنه من الأجدى أن «تلتفت تلك الدول إلى ما يعانيه مواطنوها من انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان قبل أن تحكم على حالة دول أخرى»، بينما هدد رئيس مجلس الشعب المصري بـ«فتح ملفات حقوق الإنسان في أوروبا».

تعتقد الأنظمة العربية أنها هي المثال والأصل والقدوة، ولأنها تشبه بعضها بعضاً فهي تخال أن العالم كله يشبهها، وتخال أن جميع الحكومات مثلها، أشبه بالملك العاري الذي لا يستحي بعريه.

تنسى تلك الأنظمة أن المجتمع المدني في الدول الغربية، هو من تظاهر وضغط وحقق انتصارات عديدة في وجه حكوماته، من أجل التراجع عن انتهاكات ارتكبتها في مجال حقوق الإنسان، وأن تلك الحكومات اضطرت للخضوع إلى منطق الحق والحقيقة في أحيان كثيرة، كان آخرها الاعتذار الرسمي والتعويض اللذين حصل عليهما المواطن الكندي من أصل سوري ماهر عرار من الحكومة الكندية، التي ارتكبت بحقه جريمة الترحيل إلى سورية بالتعاون مع الولايات المتحدة، حيث تعرض للاعتقال والتعذيب. وهي إن لم تفعل، فلاتزال في مواجهة حملات الضغط من قبل مجتمعاتها، التي لا تخجل بالقول إن حكوماتها انتهكت حقوق الإنسان، وينبغي أن تتراجع، وتعتذر، وأن تعوض، هذا من غير أن ننسى حقيقة مهمة، تتمثل في كون تلك الانتهاكات تمس بالدرجة الأساسية مواطنينا نحن، الممتهنة كرامتهم في أوطانهم الأصلية، وليس -إلا في ما ندر- المواطنين الغربيين.

نكاية –في ما يبدو- بالبرلمان الأوروبي وقراره الداعي الحكومة المصرية إلى احترام حقوق الإنسان وإنهاء حالة الطوارئ ووقف التعذيب ووقف تدخل الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين والإفراج الفوري عن المعارض أيمن نور... الخ، شنّت السلطات المصرية حملة اعتقالات جديدة في أوساط جماعة الإخوان المسلمين، وقمعت مظاهرات حركة «كفاية» ضد غلاء الأسعار بطريقة فيها الكثير من «الإبداع»، إذ نقل العديد من المتظاهرين بعد ضربهم والتنكيل بهم إلى الصحراء حيث تركوا هناك ليتنعموا بجمال الطبيعة القاحلة، مع العلم أن هذه الوسيلة سجلت براءة اختراعها باسم السلطات السورية، التي سبق أن فعلت شيئاً مماثلاً مع متظاهرين سوريين.

للحكومات العربية المشكّكة بالدعوات الغربية لاحترام حقوق الإنسان العربي، مغازيها وأهدافها، فهذه عوّدتنا أن تفصّل دعواتها وفقا لمعايير الصداقة وتخلخلها مع هذه الدولة العربية أو تلك، وارتباطا بملف سياسي معين هنا أو هناك. ولها أن تتجاهل حتى النهاية أن «احترام قانون حقوق الإنسان الدولي، يجب أن يظل الأساس المرجعي ويفوق أي تشريع قومي تقره الحكومة، خصوصا في ما يتعلق بحرية التجمع والعمل السياسي» كما ورد في قرار البرلمان الأوروبي، ذلك أنها لا تتقيد بأحكام قوانينها الوطنية ودساتيرها، حتى تتقيد بأحكام المعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة. لكن أي منطق سياسي يحكم الرد بالتأكيد قولاً وفعلاً، على أنها حكومات تنتهك حقوق الإنسان جهاراً نهاراً، وأنها حرة بـ«ملكيتها» حقوق مواطنيها وحرياتهم، وأنها قد تلجأ إلى العنف الجسدي والمادي في مواجهة منتقديها ومعارضيها، والذاكرة القريبة لاتزال حافلة بأخبار وصور متواترة، عن عمليات التعذيب الوحشي لمواطنين بسطاء في مخافر الشرطة، ومحاكمات عشرات المعتقلين السياسيين أمام القضاء العسكري لاتزال مستمرة، والأوضاع الاقتصادية للمواطنين إلى تردٍّ، والقائمة أطول من أن تساق في هذه العجالة.

وما سبق كله وأكثر منه، ينطبق على الوضع السوري بامتياز، فعقب التنديدات الواسعة دولياً بحملة الاعتقالات الأخيرة في سورية في أوساط نشطاء إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، توسعت حملة الاعتقالات لتطول آخرين، وبروح الابتكار نفسها، فقد تم أخيراً تحطيم مرسم الفنان التشكيلي المعروف طلال أبو دان، عضو المجلس الوطني لإعلان دمشق، بكل ما فيه من لوحات وتماثيل وأغراض شخصية، وفي الليلة نفسها، تم تحطيم سيارتين عائدتين لعضوين آخرين من المجلس، من قبل «مجهولين».

لم يسبق لعلاقات بين دول، أن توترت لمجرد انتهاك حقوق الإنسان في هذه الدولة أو تلك، وكلنا يعلم أن هذا الملف من ملحقات ملفات أخرى أكثر أهمية وأولوية بالنسبة للجميع، وأن هذه الدعوات وتلك الضغوط لا تتجاوز السطح إلى ما تعانيه المجتمعات العربية حقيقة، سواء على أيدي حكوماتها أو على أيدي أمزجتها المفتقرة إلى الكثير من الديموقراطية. مادمنا نعلم ذلك وتعلمون، ومادامت جميع الملفات السيادية وغير السيادية، قيد التفاوض والمساومة والمصالح المتبادلة، فعلام هذا الصراخ؟ أم أنكم وأنهم، تكذبون الكذبة وتصدقونها؟!

* كاتبة سورية

back to top