في صباح يوم أول مارس 1811 تصدر محمد على قاعة الاستقبال الكبرى في قصره بالقلعة، وتوافد عليه العظماء المهنئون بمناسبة سفر الحملة المصرية بقيادة الأمير طوسون لإخماد الحركة الوهابية في الحجاز، وانتهز المماليك الفرصة لإظهار ولائهم للعهد الجديد ورغبتهم في إلقاء السلاح، وتظاهر محمد على بقبول الصلح فأعطاهم الأمان وسمح لهم بالعودة إلى القاهرة مع اقتناعه بهذا الاستسلام، رأى أن الحل الوحيد هو استئصالهم من الجذور لينفرد بالحكم.

Ad

وذهب البكوات المماليك إلى القلعة يرفلون في ثيابهم المزركشة الفضفاضة، واستقبلهم محمد على بالبشر والترحاب وأبدى لهم من طرف لسانه حلاوة أسكرتهم ونزعت من نفوسهم كل ريبة، وأصبحوا مجرد تلاميذ في حضرة الداهية الأعظم الذي قرؤوا عليه يوماً من كتاب ميكافيللي فسخر منه وقال «أنا أعرف أكثر منه «، وبدأ الموكب سيره حسب الخطة المرسومة تتقدمه كتيبة الجنود الألبان بقيادة صالح قوش وبعدهم جموع المماليك، وتهادى الموكب من باب القصر ثم انحرف يساراً ليجتاز طريقاً ضيقاً وعراً منحوتاً في الصخور، وعبرت الفرق الأولى، ثم انغلق الباب غلقاً محكماً، وتسلق الألبان بأسلحتهم النارية قمم الصخور، حتى إذا اكتمل عدد المماليك انغلق الباب الذي دخلوا منه وحوصروا في هذا الخندق الصخري.

وفجأة... دوت طلقة نارية فكانت إشارة بدء المذبحة، وانفتحت أفواه البنادق كالسيل المنهمر يحصدهم حصداً وصدمتهم المفاجأة، وتلاطمت خيولهم، وأخذت تلفظ سادتها عن ظهورها وتدكهم بأقدامها كأنها تنفذ دوراً مرسوماً لها في المؤامرة، ولم ينج إلا أمين بك الذي ركض بجواده نحو أسوار القلعة فهوى به إلى الوادي السحيق حتى وصل لبنان لائذا بأميرها بشير الشهابي.