Ad

لماذا تأتي كل «تسريبات» زيادات الرواتب بأرقام لاسند موضوعياً ولا دليل منطقياً لها؟! ولماذا لاتزال الحكومة تتهرب من مواجهة الأمر بشفافية ووضوح كحال أي مسألة اقتصادية إدارية مباشرة، وتؤجل البت فيها اجتماعاً بعد اجتماع وكأنه سيوحى إليها؟! ألا يكشف هذا عن أن الحكومة أوقعت نفسها في ورطة؟!

من يتابع حلقات تعامل الحكومة مع موضوع زيادة الرواتب منذ بدء الحديث عنه حتى الآن، سيكتشف من دون الحاجة إلى أي خبرة اقتصادية أو إدارية ولا إلى ذرة من ذكاء أنه تعاملٌ خارج عن كل أطر الموضوعية، وأقرب إلى المسرحية الفكاهية منه إلى العمل المؤسسي الجاد.

كل حلقات التعامل مع هذا الملف، ابتداء من «التسريبات» التي تطلقها المصادر البارزة المطلعة والتي ترفض غالباً الكشف عن اسمها، ويستهوي إحدى الصحف الزميلة بالذات النقل عنها، مروراً باختراع الاستعانة بخبراء البنك الدولي، انتهاء بربط إعلان الزيادة بتاريخ العيد الوطني، كلها أشبه بالنكات المتواصلة!

مراجعة الرواتب بشكل دوري وزيادتها إن دعت الحاجة إلى ذلك، هو حق للموظفين انطلاقاً من الدستور الذي تكررت فيه كلمة العدالة ومعانيها، وتحدث عن حرص الدولة على تحسين مستوى المعيشة، والحرص على رخاء المواطنين في كثير من مواده. ولا يختلف أحد معي بأنه لا توجد دواع لمراجعة الرواتب أكثر من التزايد الواضح للأجور في سوق العمل محلياً وإقليمياً وعالمياً، وارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار الفاحش هذه الأيام، وبالتالي فإن هذا الأمر الخاضع لمحددات زمنية واقتصادية لا علاقة له بالعيد الوطني حتى يربط تاريخ الإعلان عنه بتاريخ 25 فبراير. فهل تراهم يريدون أن يحقنوا في ذهن المواطن أن زيادة راتبه، بل ربما تقاضيه له بأسره، ليس إلا هدية أو هبة ومنّة من الدولة، وليس حقاً أصيلاً له حازه نظير عمله وجهده؟!

وكذلك تسريبات الحكومة عن مقادير الزيادة وشرائح المستحقين، والتي تظهرها الصحف صبيحة كل يوم على صدر صفحاتها، لتضيق معها أنفاس الناس وتتسع، ما هي إلا نكتة أخرى خارجة عن كل مبادئ الإدارة وأبجديات نظم الموارد البشرية. كيف يصح تقسيم الموظفين إلى شرائح مباشرة وفقاً للراتب المجرد، من دون النظر إلى طبيعة أعمالهم ومقادير مجهوداتهم ونوعية الضغوط أو الأخطار التي يتعرضون إليها، والتي تختلف بين كل وظيفة وأخرى؟ وما فرق من يبلغ راتبه 1000 عن ذلك الذي يتقاضى 999 حتى يمنح هذا خمسين ديناراً ويمنح الآخر مئة مثلاً؟!

وإذا كانت الزيادة تأتي إحساساً من الدولة بالضغوط المعيشية التي يعانيها المواطن كما يقال، فلماذا تتجاهل الحكومة «في تسريباتها» معدل التضخم السنوي الذي بلغ %7 والذي وصل إجماليه الآن إلى أكثر من %50 خلال السنوات الماضية من دون أن ترافقه أي زيادات متناسبة على رواتب الموظفين؟! ولماذا تأتي كل «تسريبات» الزيادات بأرقام لاسند موضوعياً ولا دليل منطقياً لها؟! ولماذا لاتزال الحكومة تتهرب من مواجهة الأمر بشفافية ووضوح كحال أي مسألة اقتصادية إدارية مباشرة، وتؤجل البت فيها اجتماعاً بعد اجتماع وكأنه سيوحى إليها؟!

وكذلك اختراع الحكومة لقصة الاستعانة بخبراء البنك الدولي وتجميدهم لكوادر الأطباء وموظفي القطاع النفطي وموظفي الخطوط الكويتية التي كانت جاهزة للإقرار بذريعة لزوم إعادة مراجعتها على يد الخبراء الدوليين، واليوم نكوصها على عقبيها والقول إنها لن تلتزم بتوصيات هؤلاء الخبراء، ألا يكشف هذا عن أن الحكومة أوقعت نفسها في ورطة، وتريد الآن أن تذر الرماد في العيون وتخرس الأفواه بأي لقمة والسلام؟!

ما الذي يجري؟! كل الإجابات مرة، فإما أن الحكومة تخدع الناس، وإما أنها بالفعل تتخبط ولا تدري ماذا تفعل، وإما أنها تظن بأنها تفعل الصواب في حين أنها قد غاصت في التخبط حتى ركبتيها، وهذه هي الأشد مرارة!

لكن سؤال المليون دينار هو: لمن نوجه اللوم؟! هل نوجهه إلى حكومتنا الرشيدة؟ أم إلى البرلمان القابل بهذه الكوميديا، أم ترانا نلوم الجهات والنخب الاقتصادية والإدارية التي التحفت بالصمت من دون أن تنبس بأي حرف حيال هذه المسرحية الفكاهية المسماة «زيادة الرواتب»؟!