Ad

الوزراء الذين اشتكوا من انحراف العمل البرلماني هم الذين كانوا يوقعون الاستثناءات للنواب، وضعفهم فتح المجال للنواب لرفع صوتهم، وهم الذين خضعوا لمزايدة الرواتب، وتراخوا في تطبيق القانون، بينما كانوا يزايدون علينا يوميا بأنهم سيطبقونه على الكبير قبل الصغير.

استقالت الحكومة الثالثة لسمو الشيخ ناصر المحمد خلال العامين الماضيين، والتي جاءت بعد تعديل موسع، وخلت فيها حقيبة النفط من وزير أصيل طوال الأشهر الستة الأخيرة من عمرها.

إحصائياً، نحن أمام واقع سياسي جديد، قوامه حكومة لكل ثمانية أشهر، واستقالة وزيرين كحد أدنى من كل حكومة، وقوانين لا تطبق، وقرارات تطبق بأثر رجعي، ومليارات تضيع من دون أدنى حس وطني.

وزراؤنا، ببيانهم أكدوا أنهم كانوا غائبين عن المشهد السياسي في البلاد، فمن غير المعقول أن يتحمل مجلس الأمة وحده أسباب التدهور الذي نعيشه، فالحكومة دستوريا هي المهيمنة على مصالح البلاد، وعضو مجلس الأمة لا يخرج على القانون إلا بعدم تطبيقه عليه أو باستثنائه من تطبيقه، وكلاهما بيد الحكومة، كما أن تجاوز الأصول البرلمانية، هو نتيجة منطقية لمعادلة، طرفيها متجاوز لحده، ومتقاعس عن أداء عمله.

قرأت الأسباب الواردة في بيان مجلس الوزراء لعدم التعاون، فوجدتها تتضمن عبارات مُستغربة، كانحراف مفهوم العمل البرلماني، وخروج عن الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، وتدخل النواب في اختصاصات الوزراء، ما يشرع الباب على مصراعيه أمام أسئلة مشروعة، منها: أين كانت الحكومة طوال هذه المدة؟ ولماذا سكتت سابقا عن هذه التجاوزات؟ وأيهما أجدى بالمساءلة، نائب تدخل في عمل وزير، أم وزير سمح لنائب بالتدخل في عمله؟!

كنت أتمنى أن يشير البيان إلى الأسباب الحقيقية التي دفعت الوزراء إلى تقديم استقالتهم، فما تقدم لا يعدو عن كونه، حديثاً للتاريخ، ومادة للأرشيف، وإبراء للذمة، ورفع حرج عن وزراء في حكومة لم تؤد الدور المطلوب منها دستورياً وسياسياً بل حتى مهنياً.

الوزراء الذين اشتكوا من انحراف العمل البرلماني هم الذين كانوا يوقعون الاستثناءات للنواب، وضعفهم فتح المجال للنواب لرفع صوتهم، وهم الذين خضعوا لمزايدة الرواتب، وتراخوا في تطبيق القانون، بينما كانوا يزايدون علينا يوميا بأنهم سيطبقونه على الكبير قبل الصغير.

وزراؤنا هم الذين تقاعسوا عن أداء مهماتهم، فعلت نغمة الطائفية في الصحف عندما أهمل وزير الإعلام تطبيق القانون، وبفضل تقاعس وزير التجارة جمحت أسعار السلع، وتعثر التعاون بين السلطتين بعدما فشلت الحكومة في تقديم برنامج تنموي.

فعلاً كانت «أبركها ساعة» تلك التي وقع فيها الوزراء استقالتهم مجتمعين، فالبلد لا يستحق منهم كل هذا، وليتهم ضمّنوا بيانهم اعتذاراً بحق مواطن بسيط، لا يعلم هل يفرح مرة أخرى لرحيل حكومة ضعيفة، أم يحزن على مستقبل وطن، يُوسد أمره لغير أهله.