Ad

خطورة الفرز الطائفي أنه يُغيّب العقل ويلهب العاطفة الدينية لدى المتلقي، كما أن تزكية التعصب الطائفي تأتي الآن في ظروف إقليمية وعربية غير مستقرة سياسياً، وذات درجة حرارة طائفية مرتفعة جداً، خاصة ونذر الحرب تقرع طبولها على مسافة قريبة منا.

ذكرنا في المقال السابق أن الدولة يمكن أن تتآكل وتضمحل... أو كما يقول عالم الاجتماع الكبير ابن خلدون إنها قد تصاب بالشيخوخة وما يصاحبها من أمراض، وتطرقنا إلى بعض المؤشرات التي برزت أخيراً في الكويت التي تثير القلق الوطني إن استمرت وقد تؤدي، كما قلنا، إلى تآكل الدولة، وهي الفساد السياسي والتعصب القبلي أو الطائفي أو العائلي. وقد ذكرنا بعض الشواهد التي تدل على الفساد السياسي والولاء القبلي.

في هذا المقال سنتوقف عند مؤشر آخر لا يقل خطورة عن المؤشرين السابقين وهو التعصب الطائفي أو المذهبي.

من نافلة القول إنه من حق كل إنسان أن يقوم بممارسة ما يؤمن به من شعائر بشرط أن لا يتعدى على حريات الآخرين، ومن المسلّم به أنه ليس هناك اتفاق بين البشر كلهم على نوعية هذه الشعائر وكيفية ممارستها، فهناك خلافات واختلافات دينية مذهبية بين الناس في كل زمان ومكان، بعضها جوهري والآخر هامشي. وعادة تحترم شعوب الدول المتحضرة اختلافاتها الدينية المذهبية ولا تدخلها طرفاً في تصرفاتها الدنيوية. ويدافع كل فرد في هذه الدول عن حرية الآخر في ممارسة شعائره التي ترعاها الدولة. أما بالنسبة للخلافات أو الاختلافات الدنيوية فإن المرجعية فيها هي حكم القانون، حيث يتساوى أمامه الناس جميعهم بغض النظر عن أصولهم أو طوائفهم.

ولحسن حظنا في الكويت أن دستور 1962 قد أكد على ذلك في المادة رقم (29) «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، وكذلك في المادة (35) «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب». إذن من المفروض لو التزمنا بأحكام الدستور أن لا تكون لدينا نعرات طائفية بغيضة.

لكن للأسف فإن واقع الحال يبين عكس ذلك، فهناك شحن طائفي من طرفين تغذيه تنظيمات سياسية دينية. ومن أبرز الشواهد على ذلك واقع الانتخابات الطلابية التي تجري هذا الأسبوع في الجامعة والتطبيقي، حيث إن هناك قوائم طلابية سنية كاملة الدسم وقوائم طلابية شيعية خالصة. الطرح الأساسي لكل منهما هو الطرح الطائفي الذي يتم الفرز الانتخابي على أساسه. وقد انتقلت «العدوى» لبعض فروع الاتحاد الوطني للطلبة في الخارج، فهناك قوائم طلابية طائفية تعتبر امتداداً للواقع المحلي. كما يمكن ملاحظة الطرح والفرز الطائفي في انتخابات الجمعيات التعاونية والنوادي ومجالس الأمة والبلدي القادم. بدأنا نسمع أخيراً عن تحضيرات لانتخابات فرعية طائفية في بعض المناطق استعدادا لانتخابات مجلس الأمة المقبل. ناهيك عن أن هناك بعض الصحف اليومية ذات النفس الطائفي الممجوج.

خطورة الفرز الطائفي أنه يُغيّب العقل ويلهب العاطفة الدينية لدى المتلقي. كما أن تزكية التعصب الطائفي تأتي الآن في ظروف إقليمية وعربية غير مستقرة سياسياً وذات درجة حرارة طائفية مرتفعة جداً، خاصة ونذر الحرب تقرع طبولها على مسافة قريبة منا. كما أن الوضع في العراق ولبنان يبين لنا بشكل جلي أن المنتصر الوحيد في التخندق الطائفي، هو التخلف وانتشار الأمراض وسوء الخدمات العامة والدمار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

أخيراً وليس آخراً، فإنه يجب أن يكون واضحاً أننا نحترم المذاهب الدينية ونحترم القبيلة كنظام أو شكل اجتماعي، لكننا حتماً ضد التعصب والانتماء الطائفي أو القبلي الذي يكون على حساب الانتماء الوطني. وضد القبيلة والطائفة عندما يحلان محل الدولة. انه لخطأ استراتيجي أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونكتفي بالقول إن لنا في الكويت «خصوصية» تختلف عن دول الجوار. فالفساد السياسي والتعصب الطائفي أو القبلي أو العائلي تعتبر مؤشرات لأمراض مجتمعية مضرة بالنسيج الاجتماعي والسياسي، والمطلوب أن تعالج بجدية وبسرعة من خلال؛ احترام الدستور وتطبيق جميع مواده، والالتزام بسيادة القانون، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، حيث لا يحتاج المواطن في هذه الحالة إلى «فزعة» قبيلته أو «دعم» طائفته، لأن حقوقه محفوظة بحكم القانون وبذلك يتعزز انتماؤه الوطني.

إن لم يتم ذلك، فإن هذه الظواهر لا تهدد وجود النظام الديموقراطي فحسب، بل وتساهم في تآكل الدولة أيضاً. ومرة أخرى، فلنعتبر بما يجري في الصومال ولبنان والعراق.