اللي عاجبه الكحل يتكحل...

نشر في 02-05-2008
آخر تحديث 02-05-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي

القضية ليست ضماناً صحياً أو مخالفة مرورية، ولكنها الخلفية الإنسانية والاجتماعية التي أدت إلى صدورها، والتي تعتمد أساساً على قانون عرفي غير مكتوب وليس دستورياً، ولم يُعتمد فقهياً، ولم يستوف شروطه التشريعية.

عند صدور قانون الضمان الصحي بموافقة مجلس الأمة في 2002 كتبت مقالا في جريدة «القبس» 13/9/2002 بعنوان «الضمان الصحي بين جنة القانون ونار التصريحات» ناقشت فيه القانون، وذكرت كيف جاء مخالفا للمبادئ الإنسانية من عدل ومساواة، وإن استوفى شكليه القانوني والدستوري، وقلت إنه جاء تطبيقا عمليا للمثل المصري الشائع «اللي عاجبه الكحل يتكحل واللي مش عاجبه يرحل»، وإن القانون المعيب زاد الأمر فكاهة حين أضاف إلى رسوم الضمان الصحي رسوم الدينار والدينارين عند الذهاب إلى المستوصف أو المستشفى، وإن حال المقيم أشبه بالراكب الذي يدفع تذكرة لركوب «الباص» ثم يدفع أخرى للجلوس على المقعد! وكان الأجدر بالحكومة أن تزيد رسوم الإقامة وهي رسوم سيادية بلا مقابل بدلا من رسوم الضمان الصحي التي يفترض أنها مقابل خدمة تقدم للمقيم.

واليوم وبنفس المنطق «اللي عاجبه الكحل...» جاء القرار الوزاري الخاص بالمخالفة المرورية لكسر الإشارة الحمراء بالنسبة للمقيمين، فطريقة التفكير نفسها والأسلوب نفسه، وأتذكر يوم إقرار مجلس الأمة قانون الضمان الصحي، إذ ذكر مقدم المشروع أن تطبيقه على الوافدين هو تجربة تمهيداً لتطبيقه على الكويتيين، وتعجبنا من ذلك ورددنا بالمثل الشائع «الميه تكدب الغطاس» وبالطبع غرق الغطاس في الماء... وبالطبع لا نطالب بتطبيقه لأننا لا نؤمن بمقولة «المساواة في الظلم عدل» فهي مقولة مرفوضة تماما إسلاميا وإنسانيا، فلا يوجد عدل في الظلم مهما كان عاما وشاملا، فالظلم لا يقبله أحد، والمظلوم أول من يرفض تطبيقه على غيره، والظلم ظلمات يوم القيامة، نسأل الله أن ينجينا منها.

وعودة إلى القرار الوزاري الخاص بالمخالفات المرورية لا أدري هل يسمح الدستور الكويتي بازدواجية التوصيف القضائي؟ بمعنى أن (المخالفة) تعتبر جنحة إذا فعلها كويتي ونفسها تعتبر جناية إذا فعلها أردني أو مصري، هل يقبل خبراء القانون وفقهاء الدستور بذلك؟ وهل يمكن لنفس المخالفة أن يكون لها حكمان مختلفان تماما تبعا لجنسية الفاعل؟

سؤال آخر: ما عدد مخالفات كسر الإشارة في العامين الماضيين التي ارتكبها الوافدون والتي ارتكبها المواطنون؟ وما النتيجة (الأضرار وعدد المصابين) في كلا الحالتين؟ وبالتأكيد لا يطالب أحد بالمساواة الكاملة (ولكن فقط شبه المساواة إذا تساوت المخالفة).

وفي النهاية فالقضية ليست ضمانا صحيا أو مخالفة مرورية، ولكنها الخلفية الإنسانية والاجتماعية التي أدت إلى صدورها، والتي تعتمد أساسا على قانون عرفي غير مكتوب وليس دستوريا، ولم يُعتمد فقهيا، ولم يستوف شروطه التشريعية، وهو قانون «ك.ك» الشهير ذلك القانون الذي حير علماء الاجتماع والدراسات الإنسانية في أصل نشأته وتمتعه بكل تلك القوة والحصانة والاستمرارية.

وبالمناسبة وقياسا على هذا القانون فمن الممكن أن يكون هناك أيضا قانون «م.م» أو قانون «ب.ب»... أما دلالات هذه الأحرف فسوف أتركها لفطنة القارئ وذكائه.

back to top