سقوط الديموقراطية؟
ليس بالديموقراطية وحدها يحيا الإنسان إلا أن السؤال الأهم هو: كيف يعيش الإنسان من دونها؟ فلكل نظام حكم أنياب يفترس بها معارضيه إلا الديموقراطية فهي النظام الوحيد الذي ينطلق من قاعدة خلع أنياب السلطة المطلقة، ووضعها على الرف أو في نوافذ العرض أو في المتاحف. لذلك كانت الديموقراطية مع كل أخطائها هي الإطار الأكثر احتمالاً لضمانة أمن واستقرار البشر ضمن رقعة جغرافية واحدة.وبالتالي فإن الديموقراطية كنظام حكم لا تدعي ولا تزعم أنها هي التي ستحل المشاكل على طريقة مصباح علاء الدين، فهي ليست إلا أداة ووسيلة لحل إشكالية الصراع داخل المجتمع المدني، والتي هي عبارة عن الحالة الطبيعية في أي دولة.
وهكذا، فإنه ليس لنا أن نبالغ في مطالبتنا الديموقراطية أو أن نتوقع منها أكثر مما يمكن أن تقدمه، فالمسألة على أي حال نسبية تعتمد على كل مجتمع بخصوصياته وانفراداته وذاتياته «فكما تكونوا يولى عليكم»، فالممارسة الديموقراطية لا تتحرك في السماء أو في الهواء ولكنها تتشكل وتتكون على الأرض، وضمن مناخ ويابسة وجغرافيا وحدود موضوعية وذاتية. وينسحب هذا الأمر بوضوح على ديموقراطيتنا المنقوصة في الكويت التي تبدو أحياناً ملوثة بل مثلومة، بل إن بعضنا يذهب إلى التخلص من تلك المسماة ديموقراطية جملة وتفصيلا فيقول متذمراً من أداء مجلس الأمة وأعضائه «فليذهب المجلس إلى الجحيم، وليتم حله لمدة سنتين أو نحوهما، وتنقيح الدستور بما يخدم البلاد والعباد، وتحقيق الاستقرار والتنمية»، مقولة يرددها ا لبعض عن خبث وسوء نية إلا أن البعض الآخر يرددها عن صدق ورغبة في الوصول إلى نظام فاعل ناجع.وعلى افتراض حسن النوايا، فهل يكمن حل حالة الركود والاحتقان السياسي بالخروج القسري وبتر التجربة، على افتراض ان الحكمة والتنمية الحقيقية موجودتان أصلاً عند من سيقوم بالمراجعة ووضع أسس الدستور الجديد؟لقد جربنا تلك الفرضية مرة عام 1976، ولم نكتف فأعدنا الكرة مرة أخرى عام 1986، وفي كلتا الحالتين كانت النتائج كارثية ومأساوية على استقرار وأمن وكيان ووجود بلدنا الصغير، فهل نحن بحاجة إلى تجربة ثالثة؟ فلنتحمل ما يبدو إزعاجاً وأذى في الوضع القائم، فهو أرحم بكثير من غياب المؤسسة مهما كانت ضعيفة ومهلهلة، ولنبحث بصورة أكثر شمولية عن العلة والخلل. فأكبر كارثتين مرتا على الكويت هما أزمة المناخ والغزو العراقي للكويت، حيث نزلتا علينا في غياب المؤسسية والديموقراطية، صحيح أن «المناخ» من حيث التاريخ نزلت علينا عام 1982 أي بعد عودة المجلس ولكنها نشأت وترعرعت في غيابه وحتى المجلس ذاته كان ملعوباً فيه من خلال تغيير الدوائر بالمقياس.فهل المطلوب في المرة الثالثة أن يتم دفن الكويت كاملة تحت بقايا أشلاء الديناصورات النفطية؟ أم أن هناك تصورا لكارثة كتسونامي سياسي قادم؟