Ad

إن الوعود المطمئنة التي دحرجتها وزارة الكهرباء على مسامع الناس تغدو سرابا؛ إذا لم تقترن بالتخطيط العاجل والآجل، المكرس لعلاج هذه البلية التي تعانيها أغلبية السكان. والتخطيط في ديرتنا يسير على البركة، ربما لأن ثقافة التخطيط لم تعد واردة في أجندة الحكومة الرشيدة.

* كنت أتحلق مع الأحفاد وجدتهم، نتابع بشغف فيلما كرتونيا شائقا، وفجأة انقطع التيار الكهربائي؛ وشرع الجميع بصب جام غضبهم على وزارة «القهرباء» كما نعتها من سنوات طويلة، وطفقوا يعبرون عن ضيقهم وتبرمهم وإحباطهم وما إلى ذلك من ردود فعل. ووجدتني أقول لهم -ببرود وهدوء غير معهودين- إذا غابت الطاقة الكهربائية، وصرتم في حالة حيص بيص، كما هو شأنكم الحين، إياكم أن تلعنوا الظلام «الخرمس» أو وزارة «القهرباء» بل ليقم كل واحد منكم بإشعال شمعة، وإذا تعذرت، عليه بإيقاد سراج جاز المنعوت شعبيا باسم «الزهيوي» ذي الذؤابة المرتجفة، وليقل لأمه برومانسية طافحة بالتفاؤل: «شايفة القمر يا ماما؟» تأسيا بمقولة الشاعر «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».

أقول ذلك كله: لأن وزارة الكهرباء لحست كل تصريحاتها المطمئنة، ونكصت عنها بالفعل والممارسة، وأخذت تبشر السكان بالقطع المبرمج، إذا استمر إسرافهم في استخدام الطاقة الكهربية... التي قد تطول قطع الماء القراح بنوعيه لنفس الحجة إياها!

والحق أن الوعود المطمئنة التي دحرجتها الوزارة على مسامع الناس: تغدو سرابا؛ إذا لم تقترن بالتخطيط العاجل والآجل، المكرس لعلاج هذه البلية التي تعانيها أغلبية السكان. والتخطيط في ديرتنا يشبه المعيدي الذي يقال إن سماعك به خير من أن تراه! وصار «تخبيطها» يسير على البركة، ربما لأن ثقافة التخطيط لم تعد واردة في أجندة الحكومة الرشيدة، ومغيبة عن حياتنا اليومية بكل تجلياتها السياسية والاجتماعية والثقافية... الخ، وغيرها.

ألا تروننا ألغينا وزارة التخطيط بجرة مرسوم متعجل! صحيح أن الوزارة كانت «لا تهش ولا تنش»، لكون توصياتها وقراراتها مجمدة في «فريزر» البيروقراطية السلبية للإدارة، لكن علاج هذه الإشكالية لا يكون بحلها ونفيها لتكون وزارة مع إيقاف التنفيذ!

* الشاهد أن العديد من السكان الميسورين بادروا باقتناء «موتورات» كهربائية لمنازلهم ومواطن عملهم، ولم يعد يحفلوا بحملة «ترشيد» ولا القطع المبرمج أو العشوائي، أما معشر المستورين ذوي الدخل المحدود «المهدود» فلهم الله سبحانه... ومن ثم ضوء القمر حين يكون في حالة بدر التمام! ثم لا بأس عليهم إذا كابدوا الحر والقر، وراحوا يتخبطون في الظلام الأكحل كالعميان... مع احترامنا الشديد لهم! ويبدو أن الوزارة القاهرة تقلد الخواجاية الشهيرة الامبراطورة «ماري انطوانيت» التي قالت لشعبها الثائر مطالبا بالخبز: «لا عليك يا شعبي العزيز من غياب الرغيف وشحه، ما دام البسكويت و«القرص العقبلي» والجاتوه وغيرها، تزدحم بها الجمعيات التعاونية والأسواق المركزية والبقالات! وبهذا المعنى إذا شح ماء الشرب يمكننا أن نكرع الماء الارتوازي القراح! ولا بأس علينا إذا عدنا إلى الاعتماد على مياه البركة التي تخزن بها الأمطار كما هو دأبنا في الأيام الخوالي في كويت بيوت الطين!

أما إذا كان في مقدورنا شرب المياه المعدنية فستكون حياتنا بهية رائعة... لا تشكو من أي بلية! زد على ذلك اللجوء إلى ممارسة صلاة الاستسقاء المشفوعة بالدعاء الملحاح «اللهم ارزقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين»!

لكن صلاة الاستسقاء في موسم «السرايات» بدعة لم يفعلها أجدادنا، ربما لأن أمطارها غير عادلة، كما هو دأب مطر الصيف الذي يخص أناسا دون غيرهم فضلا عن أنه مطر معجون بالتراب والهباب والغبار لسوء حظ السكان المستورين! ولو كانت عمارة مساكننا النموذجية الحداثية مبنية على شاكلة بيوت كويت الخمسينيات، المصادقة للبيئة، الباردة صيفا، الدافئة شتاء لما حفلنا بمنغصات وزارة «القهرباء» البتة، كما هي حال قاطني «عمارة الفقراء» التي أبدعها المهندس المعماري المصري العالمي الدكتور «حسن فتحي» الذي شيد هنا بعض الدور المعتمدة على الطاقة الشمسية، وعلى مواد العمارة الصديقة للبيئة؛ ولا تحتاج إلى صرف طاقة كهربية عالية غالية!

من هنا، يبدو لي أن خلاصنا من معاناتنا إياها، يكمن في استخدامنا للطاقة الشمسية التي لا تلاحقنا بحملات الترشيد، ومفاجآت القطع المبرمج وغيره. والمؤسف أن هذا الخلاص سيكون متاحا لأولادنا وأحفادنا والأجيال القادمة فقط لا غير! اللهم إلا إذا شاءت الحكومة الرشيدة إعادة تثمين منازل المواطنين ليتسنى لهم السكن في دار صديقة للبيئة ووزارة «القهرباء»!!