هل ثمة ألغام في طريق قرار مجلس الأمن 1769 تواجه الحل السياسي أم أن الرداء القانوني والخيط الإنساني قد يفجرّان الموقف مجدداً في دارفور في حين تزداد أوضاع السكان بؤساً ومعاناة؟! لعل شروع القوات الدولية المشتركة في مهمتها مطلع العام المقبل سيؤشر إلى أي الخيارات سيكون راجحاً.قرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع نشر قوة مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي باسم «يوناميد» قوامها 26 ألف جندي وشرطي في دارفور، وستحل القوة التي تقدّر كلفة نشرها بملياري دولار، مكان قوة الاتحاد الأفريقي الحالية، التي تضم 7 آلاف جندي وتفتقر إلى التمويل الكافي والتجهيز المطلوب.
وجاء رد فعل الحكومة السودانية الرسمي بالموافقة، واعتبرت القرار 1769 مقبولاً خصوصاً بعد التعديلات التي أدخلت عليه والتحفظات الكثيرة التي كانت قد أثارتها حول المشروع بمسودته الأولى.
وتقول التقارير الفنية إن النشاط الفعلي للقوة المتعددة الجنسيات ستكون جاهزة في نهاية العام الحالي أو مطلع العام 2008. وكان تجاوب الحكومة السودانية مع القرار الدولي قد امتص جزءاً من التوتر بين السودان والمجتمع الدولي، خصوصاً أن وزير الخارجية السوداني لام أكول أعرب عن ارتياحه للقرار في مؤتمر صحافي عندما قال: إن القرار احتوى على نقاط إيجابية عديدة لعل أبرزها هو ما كان خلاف السودان مع المجتمع الدولي وخاصة مع القوى المتنفذة والمسيّدة، وذلك حين ابتعد هذا القرار عن الإشارة إلى العقوبات التي سبق أن تم التلويح بها فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة توقيف بحق وزير الدولة للشؤون الانسانية أحمد هارون والقيادي في قوات الدفاع الشعبي علي كوشيب بعد اتهامهما بارتكاب جرائم حرب في اقليم دارفور.
واستبعدت الإشارة إلى الفصل السابع إلاّ في فقرة واحدة تتصل بحق القوة المشتركة في الدفاع عن نفسها، وهي اشارة عادية مثلما اعتبرتها الحكومة السودانية، وقد سبق أن وردت مثل هذه الإشارة في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1590 الخاص بنشر القوات الدولية لحفظ السلام في جنوب السودان «يوناميس» بموجب اتفاق السلام. وأكدّ القرار الصبغة الأفريقية على القوات الدولية المشتركة، وهو ما كان السودان يريده، فضلاً عن إعلان الأمم المتحدة التزامها بتمويل قوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة حالياً إلى حين بدء العملية المشتركة، مع التأكيد على أهمية المحادثات السياسية لتسوية أزمة دارفور واستراتيجية خروج القوات المشتركة الدولية بعد انتهاء مهمتها، التي ينبغي أن تنحصر في مواقع النزاع، في حين يستمر الجيش السوداني في ممارسة دوره!
وكان زلماي خليل زاد السفير الأميركي في الأمم المتحدة قد هدد بفرض عقوبات فردية أو مشتركة على الخرطوم، إذا لم تلتزم مضمون القرار، في حين وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون القرار بأنه تاريخي وغير مسبوق، وهو ما أيدته فرنسا وفنلندا والسويد والدانمرك إضافة إلى الاتحاد الأوروبي وأستراليا، فضلاً عن الصين التي أعلنت أن لها الفضل في موافقة السودان على نشر قوات دولية في دارفور بعد ممانعة طويلة. كما أبدت مصر وإندونيسيا استعدادها للمشاركة في إرسال قوات لتسهم مع القوات الدولية المشتركة.
كانت المبادرة الفرنسية- البريطانية الخلفية التي استند إليها مجلس الأمن الدولي في إصدار القرار 1769 رغم تحفظات أو بتعبير أدق عدم حماسة واشنطن، التي ما انفكّت تلوّح بالعقوبات، لكن وجود ملايين المشردين واستمرار تأثيرات حوادث العنف والنقص الفادح في عمليات الإغاثة واستهداف بعض العاملين فيها وفي القوات الأفريقية، هو الذي كان وراء المبادرة الفرنسية- البريطانية، التي اتخذت «بعداً إنسانياً» جديداً اقترن بصعود نيكولا ساركوزي رئيساً لفرنسا وغوردن براون رئيساً لوزراء بريطانيا بعد تنحيّ طوني بلير.
وصف براون مشكلة دارفور بأنها كارثة إنسانية هائلة، وبالفعل فهي حالة نموذجية تحظى بإجماع دولي يكاد يكون شاملاً، لاسيما في ما يتعلق بالجوانب الإنسانية، التي تضع المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أمام واجب حفظ السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الانسان ووقف عمليات الإبادة والتطهير العرقي أو الديني او غير ذلك. وتحت شعار التدخل الإنساني التي أعقبت الحرب الباردة وسقوط جدار برلين فقد تم التدخل في العراق بعد غزو الكويت، خصوصاً في صدور القرار 1688 (5 أبريل 1991) الخاص بكفالة احترام حقوق الإنسان السياسية لجميع المواطنين، وهو القرار اليتيم من بين جميع قرارات الأمم المتحدة التي صدرت بحق العراق، لم يكن ضمن الفصل السابع، مما أثار شكوكاً حول حجيته وفاعليته في وقف القمع الذي تعرض له السكان المدنيون الأبرياء.
وهناك تدخلات أخرى حصلت تحت العنوان الإنساني ذاته، كما هو في سيراليون وليبيريا وساحل العاج وكوسوفو والبوسنة وتيمور الشرقية والكونغو ورواندا وغيرها، لكن المشكلة التي تواجهها قضية دارفور تتلخص في معارضة الحكومة السودانية، يضاف إلى ذلك الصعوبات اللوجستية، لاسيما أن إقليم دارفور شاسع ويفتقد إلى البنية التحتية. وهناك إشكالية قد تنفجر فيما اذا أصرّت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على أن القرار 1769 لا يحجب الحق في ملاحقة قضية الجرائم المرتكبة، بما فيها مذكرتا التوقيف بحق المسؤولين السودانيين، وهو ما شدد عليه مكتب المدعي العام في لاهاي.
هل ثمة ألغام في طريق قرار مجلس الأمن 1769 تواجه الحل السياسي أم أن الرداء القانوني والخيط الإنساني قد يفجرّان الموقف مجدداً في دارفور في حين تزداد أوضاع السكان بؤساً ومعاناة؟! لعل شروع القوات الدولية المشتركة بمهمتها في مطلع العام المقبل سيؤشر إلى أي الخيارات سيكون راجحاً، خصوصاً إذا ما اقترن بسوء نية على تحقيق توافق مطلوب ووحدة وطنية!
كاتب ومفكر عربي