خذ وخل:ديموقراطية التوزير!

نشر في 04-11-2007
آخر تحديث 04-11-2007 | 00:00
 سليمان الفهد * لعلنا في سبيلنا إلى أن نضاهي، وربما نبز، إيطاليا والأردن في عدد الوزارات المتعاقبة ذات العمر القصير! ففي الأردن الشقيق يصل عدد الوزراء السابقين إلى المئات، بحيث يمكنهم تكوين حزب أو رابطة تلم شمل الوزراء السابقين الكثر! وقد أحصيت الوزراء السابقين الذين تربطني بهم وشائج صداقة فوجدتهم يتجاوزون الخمسين وزيراً... اللهم زد وبارك!

وإذا كانت وزارة الأوقاف - وحدها - تعاقب عليها بعد التحرير أحد عشر وزيراً، يمكنك الافتراض بأن مهمة التوزير بعامة سيحظى بها مئات وربما آلاف المواطنين، بحيث يكون ثمة وزير سابق في كل بيت كويتي! وهذا النهج - كما ترى - يجسد ديموقراطية التوزير من حيث لا تحتسب الحكومة الرشيدة! لاسيما إذا تواصل تناسل الحكومات المتعاقبة على النحو السائد الذي يئد الحكومة الجديدة وهي في المهد والفطام!

والعبد لله يظن بأن سيل الاستجوابات المنهمر على الوزراء السابقين واللاحقين، هو أحد أهم الأسباب المفضية الى تحقيق ديموقراطية التوزير! ففي الوقت الذي يحلف فيه الوزير الجديد اليمين الدستورية، تجد بعض النواب يحلفون بالله ثلاثاً على أنهم عازمون على استجوابه بأثر رجعي! ومن هنا من حق وواجب كل مواطن طامح في التوزير، أن يفرح جداً بسيل الاستجوابات، لأنه سيكون سبيله إلى تأبط الحقيبة الوزارية، على الرغم من ان لا سيل إياه ينطوي على شبهة «مطر الصيف» ما غيره!

* في الصحافة المصرية ابتدع الكاتب الساخر الأستاذ «أحمد رجب» شخصية «عبده مشتاق» الدالة على الإنسان الطامع في الوزارة، الساعي إليها بكل السبل، الحالم بها قبل كل تشكيل وزاري! ويبدو ان شخصية «عبده مشتاق» الكاريكاتورية لم تعد خاصة بمصر وحدها، بل حاضرة في أغلب الأقطار العربية، ولا تختلف عنها سوى في الزي واللهجة فقط! وبهذا المعنى يمكن الحديث عن «مشتاق» الكويتي الذي يحلم بالوزارة بدافع ديموقراطية التوزير المذكورة آنفا! فتراه في الأيام السابقة على تشكيل الوزارة الجديدة، قابعاً في بيته لا يريم، متوقعاً أن يرن جرس تلفونه حاملاً إليه بشارة استمزاج رأيه بشأن الحقيبة الوزارية الفلانية. لكن صاحبنا الموله الـ «مشتاق» ليس بحاجة إلى مسألة الاستمزاج، لأنه جاهز وحاضر ومستعد لحمل أي حقيبة وزارية، بفتوة حمالي «الشبرة»، ولو كانت الحقيبة تضاهي «شنطة حمزة»، إذا كان ثمة قارئ يذكر مسلسلاً تلفزيونياً بمثل هذا الاسم! وقد حاول صاحبنا إقناع أحد المخبرين الصحافيين بدس اسمه ضمن قائمة المرشحين للوزارة، لعل وعسى! وقال له المخبر: نحن لا نتعامل مع الإشاعات ولا أحلام اليقظة!

* والحق أني لا أعترض على حلم صاحبنا المشتاق إلى المنصب الوزاري، لأن طول عمر الوزارة في بلادنا يحرضه على هذا الحلم! صحيح أن الحلم - لو تحقق - سيتمخض عنه وزير سابق. لكن لا بأس بذلك لأن الوزير السابق يحظى بمميزات معنوية ومادية يغبط عليها! اللهم لا حسد! ما دام التوزير في سبيله أن يشمل الراغبين فيه، والعازفين عنه، بحيث يكون في كل بيت كويتي وزير سابق كما أسلفت! وليس مهماً أن يكون الوزير السابق نائباً في مجلس الأمة ما دام التوزير نفسه سيشرع له بوابة الوزارة والمجلس معاً. ولعل ما يشين عملية ديموقراطية التوزير يكمن في فعل التدوير لكونه يشمل بعض الوزراء المستجوبين دون غيرهم. وقد يكون الفعل دستورياً، لكنه غير ديموقراطي! ومع ذلك كله فان صاحبنا المشتاق يقبل بالتوزير دون التدوير. حسبه أنه حظي بلقب وزير سابق ومخصصاته! صحيح أنه سيشعر بالغبن جراء عدم تدويره، إلا أنه سيقبل خروجه السريع من الوزارة على مضض! ومن هنا أتمنى على الحكومة الرشيدة الكف عن فعل التدوير، كونه يشي بأنه عملية هروب إلى الأمام لا تنزع فتيل التأزيم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ذلك ان الوزير «المدور» لن يكون بمنأى عن الاستجواب بحق أو بدونه! وأخشى ما أخشاه في هذا السياق اشتراط الوزراء الجدد الذين يتم اختيارهم في الحكومات القادمة أن يتم تدويرهم مثل زملائهم المحظوظين المشمولين بمظلة التدوير! بمعنى أن تكون الحكومة كلها مدورة مثل الكرة! تتدحرج في ملعب السياسة من دون خشية من الاستجواب! لاسيما أن الوزراء المستجوبين يعلنون رغبتهم في التصدي له، وهذا من حقهم بداهة. لكن الحكومة الرشيدة تصادر حقهم في المجابهة بلجوئها إلى التدوير حيناً، وإقالة الوزير حيناً آخر!

back to top