الشعر الشعبي الحديث، أو شعر التفعيلة، بدأ بالظهور إلى النور في الخليج، ومحاولة انتزاع شرعيته في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وقد بدأ قبل ذلك بسنين في العراق وبعدها في البحرين. ففي السعودية مثلا كانت أسماء مثل سليمان الحماد ومحمد المسلّم وأحمدالسعد، وبالتأكيد الأمير بدر بن عبدالمحسن، قد بدأت محاولتها في ذلك الوقت في تحريك مياه الشعر الشعبي الراكدة، عن طريق نشر قصيدة التفعيلة، وفي الكويت كانت البدايات مع شعراء مثل عبدالرحمن النجار ونايف المخيمر وفايق عبدالجليل، والأخير رفضت وزارة الإعلام الكويتية طباعة ديوانه «وسمية وسنابل الطفولة»، على نفقتها، لعدم إجازتها هذا الشعر، مما حدا بالشاعر إلى محاولة الوصول إلى ولي العهد في ذلك الوقت الشيخ سعد العبدالله الصباح، بادعائه أن لديه معلومات سرية لن يدلي بها إلا لسموه عن وجود قنبلة موقوتة، وعندما سُمح له بمقابلة ولي العهد لم تكن القنبلة الموقوتة سوى ديوانه المذكور، حيث كان الشاعر يريد شفاعة ولي العهد من اجل طباعته عن طريق مطبعة وزارة الاعلام، والطريف أن ولي العهد أمر فعلا «بتفجير» تلك القنبلة على نفقة الوزارة، وفي مطبعتها!! وكانت تلك أول قنبلة مطبوعة في الشعر العامي في الكويت، حيث توالت بعدها تجارب جدية وناضجة في كتابة الشعر الحديث.

Ad

وفي قطر، كانت هناك بعض التجارب في هذا السياق، عرفنا من خلالها أسماء مثل الشاعر علي ميرزا، وجاسم صفر، أما في البحرين فكانت تجربة الشعر العامي الحديث في ذلك الوقت أكثر نضجاً وعمقاً، وقد ساهمت أسماء مثل إبراهيم بوهندي وعلي عبدالله خليفة وآخرين، في وصول القصيدة العامية الحديثة إلى خارج حدود البحرين محمّلة برؤية شعرية مختلفة وعميقة، ومشحونة بالهم السياسي والاجتماعي ومشاعر الحب الندية.

وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي، بدأت المحاولات الجدية في خنق الشعر الحديث، واجتثاثه من الأرض الشعرية من قِبَل أحزاب النفود «وربما النفوذ»، والمرقب العالي، ويا ونة ونيتها، بعد محاولات جاهدة منهم لتجاهل هذا النوع من الشعر «أقصد الحديث»، من باب عدم إعطائه أي أهمية، لعله يموت في مهده، وعلى عكس ما توقعوا، حدث أن الشعر الحديث بدأ يلفت انتباه الجمهور، ليس فقط من حيث الشكل، لكن أيضا على صعيد المضمون، فقد تناول الشعر الحديث الهموم الواقعية المعاصرة على مستوى الفرد، وعلى صعيد المجتمع، وبذلك ازداد قربا ومحاكاة لواقع الناس وقضاياهم، وكانت الكويت أكثر دول الخليج «تفهما» لأهمية إعطاء هذا النوع من الشعر المساحة المعقولة إعلاميا، بعد أن لمست أصداءه على المستوى الاجتماعي، ولأن للكويت تأثيرا إعلاميا على باقي دول المنطقة، حيث كانت تمثل في ذلك الوقت الريادة الثقافية فيها، فقد انتقلت «عدوى» الشعر الحديث إلى وسائل الإعلام، خصوصا المقروء، وذلك بمنحه بعض المساحة، وإن بدرجات أقل من تلك المتاحة له في الكويت.