وكانت الأجواء ساخنة
يبدو أن فكرة التخلص من الدستور متأصلة وراسخة في أذهان البعض، فعلى الرغم من إقرار أركان النظام بعدمية، ولا كفاءة، وعدم صلاحية التزوير للنظام السياسي الكويتي، وعلى الرغم من إدراك النظام لعزلته بعد التزوير، وعلى الرغم من يقينه بأن التزوير قد أدى إلى تراجع معدل الأداء، بل وتدهور معايير القيم والأخلاق، وقد أدى ذلك الإدراك إلى بدء النظام بصفحة جديدة على الرغم من محدوديتها، فقد جرى تغيير شامل في المنهج والأسلوب خلال انتخابات 1971وخلال المجلس جرى تعاون ملحوظ بين الحكومة و«المعارضة» إن جاز التعبير، وقد حدثني الدكتور أحمد الخطيب عن العلاقة المثمرة التي ارتبط بها مع الشيخ جابر الأحمد ـ رحمه الله ـ رئيس الوزراء آنذاك.إذاً على الرغم من أن مقارنة بسيطة بين المجلس المزور (1967) والمجلس الذي تلاه (1971) توضح بما لا يدع مجالا للشك حجم الإنجاز الذي تم في الحقبة الثانية مقارنة بحجم التراجع والتدهور، الذي حدث في الحقبة الأولى، إلا أن ذلك لم يمنع الحل من العودة مرة أخرى.
ففي التاسع والعشرين من أغسطس 1976 تم حل مجلس الأمة للمرة الأولى من دون الالتزام بالقواعد المنصوص عليها دستورياً وكانت الخطوة مباغتة، فقد أنفض للتو دور الانعقاد العادي مودعاً بخطاب جميل رقيق ألقاه نائب رئيس الوزراء الشيخ جابر العلي ـ رحمه الله. كان الخطاب فيه الكثير من الإشادة بتعاون المجلس مع الحكومة، إلا إنه وبعد فترة قصيرة تم الحل وتوجيه اتهامات قاسية للنواب وللمجلس... فماذا حدث يا هذا؟ كان واضحاً أن الحل جاء في محطة تاريخية مفصلية للتعامل مع عدة ملفات في آن واحد ولربما كان أهم تلك الملفات هي الحالة الصحية المتدهورة لسمو الأمير آنذاك الشيخ صباح السالم رحمه الله، ورغبة أطراف في الحكم تحييد فرص احتمالات وصول الشيج جابر العلي لولاية العهد، حيث إن نفوذه داخل مجلس الأمة كان كبيرا.ً أما الملف الثاني فهو التعامل مع حالة الوفرة المالية الكبيرة التي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط ويمثل وجود مجلس الأمة عقبة لهذا التوجه، أما الملف التقليدي فهو القضاء على الدستور نهائيا وقد تم ذلك من خلال الإعلان عن تشكيل لجنة للنظر في تنقيح الدستور، ويبدو أن فئات مختلفة تغلب ملف على ملف آخر من حيث الأهمية. كانت هناك جملة عن العناصر المساندة لتبرير قرار الحل فكان ان ذكرت بذلك الصدد المبررات كافة وأصبح مجلس الامة «الممدوح» قبل أيام «ممشة زفر»، بل انه حتى الحرب الاهلية اللبنانية تم وضعها من ضمن مبررات الحل، كما ساند ذلك الاتجاه ارتفاع مذهل بالدخل وتحرك غير مسبوق لسوق، بل اسواق الاسهم بما يمكن القول إنه البداية الحقيقية لازمة المناخ. وكان الدخول السافر للحكومة في مجال الأسهم وشراؤها وتملكها لشركات كثيرة. فمن الملاحظ مثلا أنه خلال سنوات قليلة تم انشاء ما يزيد على 236 شركة مساهمة مقفلة برأسمال تجاوز المليار ونصف المليار دينار. وهكذا نشأت في هذه الحقبة البنية التحتية لسوق المناخ ثم أزمته لاحقا.مضت سنوات عجاف منذ حل المجلس وحتى عودته مشوها عام 1981 فالمنطقة برمتها دخلت في «دور» انفلونزا سياسية حادة انهكت الجميع كاشتداد سعير الحرب الاهلية اللبنانية وزيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس وحادثة الحرم المكي التي قادها جهيمان بن سيف العتيبي والثورة الايرانية بقيادة آية الله الخميني ثم اشتعال الحرب العراقية- الايرانية، لاشك ان هذه العوامل مجتمعة قد أثرت بصورة أو بأخرى وعلى الأخص حادثة جهيمان والثورة الايرانية ومن ثم الحرب العراقية- الإيرانية لما لها من انعكاسات داخلية على البلد الصغير الكويت.وهكذا، ومع وضوح الهدف بتنقيح الدستور، ومع تشكيل اللجنة وسط أجواء شعبية صاخبة، عادت الحكومة مرة اخرى لتعلن رغبتها في العودة للانتخابات مرة أخرى، ولكن بعد تعديل الدوائر الانتخابية من عشر دوائر إلى خمس وعشرين دائرة. ولهذا حديث آخر.ويبقى السؤال مرة أخرى، ماذا كان سيجري وكيف كانت ستتجه مجريات الاحداث لو لم تحل الحكومة مجلس الأمة عام 1976 وأدخلت البلاد والعباد في ضياع و«توهان» ما بعده «توهان». ولماذا لم تتمسك بمقياس التجربة الناجحة لمجلس 1971... لماذا؟ لا أدري...