Ad

يشارك في عملية السلب والنهب (التي يطلق عليها العراقيون لفظة «الفرهود») بطانة سياسية جاءت مع الاحتلال، تطبق هي الأخرى أعمال النهب لموارد بلادها تحت عناوين مختلفة، لا يجمع بينها إلا قول الإمام علي، رضي الله عنه، الذي بات مصداقاً لقوله، عليه السلام، «الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد»!

العراق المستباح ذاهب إلى مزيد من الاضطراب والفوضى والتقسيم والتفتيت والشقاق والنفاق، مع كل يوم إضافي يمر على بلاد الرافدين العزيزة!

وفلسطين الجرح الدائم والمزمن ليست بأحسن حال من العراق، إن لم تكن ذاهبة إلى الأسوأ، بسبب ما تعانيه من ظلم أهل بيتها لها، ومما يحضّر لها كذلك من أفخاخ الخريف!

ولبنان الموضوع على أجندة اللحاق بالجرحين النازفين للأمة، مشروع إلحاق قسري بالجرحين السابقين، برغم مؤشرات وعلامات الانفراج التي تصلنا من بلاد الأرز التي لا تزال تمانع وتقاوم بعقلانية منقطعة النظير، برغم كل الأهوال والترويعات المحيطة بالمقاومة والمقاومين!

أقول هذا ليس من باب التشاؤم ولا الاستسلام, لاسيما ونحن نحيي يوم القدس العالمي في آخر جمعة من رمضان المبارك، ولا تزال جذوة الأمل فينا بالنصر مشتعلة وعقيدتنا القرآنية الخالدة بزوال دولة إسرائيل في طريقها الى التحقق بلا ريب، ذلك لأن عصر الاستعلاء الإسرائيلي لاشك إلى أفول بعد فشل الحرب الكونية على لبنان وعبره على العرب والمسلمين، حيث نالت نصيبها من الاخفاق المحقق، وهو ما يستحق التوقف عنده طويلاً!

لكن ما أقوله هو للتذكير لمن يهمهم الأمر من أهل الحل والعقد، ومن بيدهم الأمر في التصدي لمهمة البناء والإعمار مقابل مشاريع الهدم والدمار!

في هذه الأيام المباركة وليالي القدر العظيمة، وفي ذكرى استشهاد رسول الإنسانية، كما يعرفه العلّامة الكبير جورج جرداق، يحضرني مرة أخرى قول بليغ لسيد البلاغة الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، عليه السلام، وهو يكتب لعامله على مصر مالك الأشتر، حيث ورد ما نصه في كتاب «نهج البلاغة» ما يلي:

«وتفقَّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلا».

لقد سبق وناقشنا الفرق الكبير بين إدارة البلاد وإدارة الأزمة، وقلنا إن أنظمة الحكم في العالمين العربي والإسلامي عموما بسبب العجز الداخلي للقوى المتصدية للحلول وبسبب قانون الغلبة الخارجي الظالم، باتت منغمسة في إدارة الأزمة أكثر مما هي بصدد اجتراح الحلول المناسبة لتنمية عقلانية وشاملة، لكن ما نعانيه اليوم في البلدان الثلاثة الآنفة الذكر اليوم هو شيء أبعد وأخطر من ذلك بكثير!

فالعراق، ومنذ الغزو الأجنبي الفتاك، يتعرض لعملية نهب وسرقة لموارده العامة بشكل منقطع النظير لم تشهده البلاد في تأريخها القديم والجديد إلا في زمن التتار والمغول. ويشارك في هذه العملية المأساوية بطانة سياسية جاءت مع الاحتلال تطبق هي الأخرى ما يعرفه العراقيون بمقولة «الفرهود»، وهي كلمة عراقية صرفة تعني النهب والسلب، لموارد بلادها تحت عناوين مختلفة لا يجمع بينها إلا قول الإمام الآنف الذكر الذي بات مصداقاً لقوله عليه السلام «الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد»!

الأمر يكاد يكون نفسه في فلسطين وبمديات أبعد ومستويات أكثر إيلاما بسبب قدسية الموضوعات وترابطها الاستراتيجي على مستوى الأمة، وإن كان ما يجري في العراق يظهر للرأي العام بشكل أكثر شراهة وأبشع منظراً وأكثر صلافة، فيما الذي يحصل في فلسطين يتم ستره بألبسة باتت تظهر أقل اشمئزازاً ونفوراً بسبب «الاعتياد» وكثرة التكرار وطول مدة المرض المزمن! ولا أقصد هنا القتل والذبح والاغتيال والإرهاب، بل النهب المنظم والعميق للمقدرات.

وأما لبنان، فإنه يُعمل به وفيه ومنذ عقود على قاعدة الشركة «الاستثمارية» الشرهة والمفتوحة نفسها على النهب السريع والفعال والمزرعة المفتوحة آفاقها على شركاء لا يستحون ولا يخجلون في إعلان نواياهم للفتك به والنيل من كرامته ومصادرة كل ما يملك من مقدرات ومقومات، أكثر مما يُتعامل معه على أساس وطن ولوحة إبداعية للتعايش، كما كان، ولا يزال، يحلم بها أهله الحقيقيون!

كل هذه أمور تدعو الى التأمل الطويل فيما نحن فيه؛ هلاك متعمد للبلاد والعباد لحساب طالبي الخراج و«الخوات» من الأجانب الطامعين في ثرواتنا ومن بطانتهم التي تستظل بظلهم «الوارف» لسرقة المال العام بأسرع وقت وأقل الأكلاف باسم «إعادة الإعمار والتنمية»، وكلاهما براء من هؤلاء الحرامية القدامى منهم والجدد!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني