الحل والحال: الدولة المدنية
وحدها الدول الدستورية التي توحد مواطنيها تحت مظلة القانون، نجحت في ضمان استقرارها ووحدتها ونموها، ولا خيار للكويت سوى الالتفاف حول دستورها وهيبة قوانينها.
ذكرت في مقالة سابقة أن إحدى أكبر الخطايا بحق البلد تعديل قانون الانتخابات في عام 1980، وتفتيت الدوائر للتأثير في مخرجات الانتخابات النيابية، من دون اعتبار لتبعات ذلك التفتيت، وأكثر نتائجه خطورة هو ما وصلنا إليه من مراحل أولية لتفكيك الدولة المدنية، وكل ما نشهده اليوم من أحداث مؤسفة، كان بفعل فاعل. والدولة المدنية، هي الدولة التي ترعى المواطنة بمفهومها الشامل، فالحقوق والواجبات يحميها القانون، والتميز في المواطنة للأكثر ولاء وللأقدر كفاءة بغض النظر عن انتمائه الصغير. والتراث الإنساني مليء بالتجارب، الفاشل منها والناجح، فالدول التي نشأت على أساس ديني - وهي قريبة- فشلت لأنها لابد أن تكون مذهبية، وحتى ضمن المذهب الواحد، نزعت إلى المزايدة والتطرف لإلغاء الآخرين. والدول التي نشأت على أساس عرقي -وهي بعيدة- تحولت إلى دولة عنصرية، دخلت مع الزمن في صراعات دامية أدت إلى ذوبانها. وحتى الدول التي نشأت على إيديولوجيات وحيدة وجامدة، أصبح مآلها ما حدث للنموذجين الآخرين وتلاشت.وحدها الدول الدستورية التي توحد مواطنيها تحت مظلة القانون، نجحت في ضمان استقرارها ووحدتها ونموها، ولا خيار للكويت سوى الالتفاف حول دستورها وهيبة قوانينها. ونحتاج إلى بعض الصبر وتحمل الألم، وحتى بعض الإيثار، لإعادة بناء ما تم هدمه بفعل فاعل راهن على إحكام سيطرته على سلطة اتخاذ القرار، تحت مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. والقوانين التي سنتها المؤسسات الدستورية مثل قانون تجريم الانتخابات الفرعية هي قوانين يجب أن تُحترم، أما الاستمرار في غض الطرف عنها، فقد يعني تعميمها ببساطة إلى تذويب كيان الدولة.وتطبيق القانون ضرورة قصوى، والعمل على تحقيق كيان الدولة لابد أن يكون الهدف القادم للجميع في لم شمل الكويت في دائرة واحدة، وتقنين إنشاء الأحزاب السياسية وضبط ميزانيتها، والعمل بمبدأ تداول السلطة التنفيذية.فالدولة التي نأمل بصناعتها يجب أن يتسامى مواطنوها فوق انتماءاتهم الصغيرة، ولا بأس من الناحية الاجتماعية بقاء وتقوية روابط الدم، ولكن أن تتحول روابط الدم إلى كيانات سياسية أمر جرمه القانون، وهو توجه صحيح في اتجاه صناعة الدولة المدنية، أو دولة المواطنة الشاملة.