- أتفتقدينني؟
- مازلت معي.. - إذن أقلّيني.. - إلى أين؟ - إلى مطاردة الذاكرة... «السالمية»... سيري من هنا بعد «الأوتيل» باتجاه شارع المطار... هذا قصر نايف كما عهدته، قليل من الترميمات تشد ترهّل المكان... طريق المطار كما هو... وكذلك الدائري الرابع مزدحم أكثر من عادته... آه مازالت الذاكرة موغلة بالصور... - دعيني أتولى القيادة عنك، اشتقت الى قيادة السيارة، لدوّاسة «البنزين»، وتذبذب المؤشر، وجماح المكبح... اتركيني أسترجع أصداء اختراق الماضي. - شفافيتك تعرقل الواقع، تُربك الطريق، خارجة عن المفهوم والإحاطة، وجودك ملتبس ومتلاش... سأواصل القيادة... ها هي «السالمية» ما المختلف والثابت فيها عما عهدتها؟ صمتك تعتريه الحيرة... هل خذلك المكان... هل أسدف على ذاكرتك النسيان... أم هو خَرَس الغربة ما يعتريك؟! - لا أدري حيران، محموم بذاكرة تتدفق بكل ما هو حي... كما عهدتها... وعهدتني، الشارع ذاته... بصمات خطواتي مازالت تنحت فيه... ملتصقة بذرّات الرمل و«الكونكريت»، الرصيف يشهد... والإسفلت يبرهن المعرفة، أنا مازلت في «سالميتي» مربوط بوجودها رغم نضوب وقتي واضمحلالي. الزمن الزاحف أبقاها وأبقاني، لم تتغير هذه المحال كنت أرتادها، وفي هذه الساحة أركن سيارتي التي تعرفينها... وها هو الخياط الذي أنجز خياطة «البيجاما» التي ادّعيتِ خياطتها. - مازلت تذكر؟... كانت من آثار بطولاتي الوهمية، تمنيت أن أكون ربة منزل لا مثيل لها... لا مراهقة لا تجيد إلا حرق البيض، لكن الحلم كان اكبر من أن تخفيه عين الشمس، لذلك كانت النكتة بحجم فضيحة... - صدّقي لطالما أحببت «بيجامتك» تلك أكثر من أي منامة اشتريتها بعد ذلك، يا ترى مازال حائكها حياً... أو غادر مع المغادرين مثلي؟! توقفي عند الزاوية المقابلة للمطعم، الذي قابلتك فيه لأول مرة... أين ذهب... هل أفلَ معي؟ - بل ليستقر هذا البرج في الساحة، فهو التهم كل ما حوله من مضغات، لم يترك أثراً... ألم تلاحظ هجوم الأسواق على المدينة! اكتظاظها «بالمولات» والتهامها لها. بحيث تبدّل التعريف القائل «المدينة هي تجمعات البيوت وفيها بعض من الأسواق» وأصبح «المدينة هي أسواق فيها بعض من البيوت تستقر فيها». - هذه الأسواق لا أعرفها ولا تعرفني... ما يهمني هو خريطة الطريق... هذه الشوارع هي مني وأنا منها... كبرت المدينة أو صغرت... مازالت الطريق ذاتها التي خبرتها منذ عشرين عاماً، وهي كما هي، كـأنها جمدت منذُ ساعة رحيلي. ما يتغير هو الطريق، أوصال المدن، سرّها وترحالها، بنيتها وامتدادها وقامتها... وعندما تتعملق المدن تضيع منا مفاتيحها، ومادام المفتاح معي، فسأعود إليها كلما فُتحت لي البوابة. - ومتى تفتح البوابة؟ - ربما بعد عشرين عاماً أخرى... هيا اسرعي... قبل إغلاق البوابة... الشمس تنحدر نحو المغيب... سارعي قبل غروبها... أعيديني إلى تربتي لأكمُن في سبات الوقت.
توابل - ثقافات
في سُبات الوقت
18-02-2008