هل هي لعبة أمم جديدة؟

نشر في 09-12-2007
آخر تحديث 09-12-2007 | 00:00
 صالح القلاب

هل لجأت أميركا إلى تقرير استخباراتها هذا من قبيل ذرِّ الرماد في العيون ولدفع الإيرانيين إلى الاسترخاء بحيث تكون الضربة العسكرية التي ستوجهها إليهم، والتي كما هو واضح، لم يتخلّ عنها الرئيس بوش بعد، مفاجأة وصاعقة؟! إنه شيء محيِّر بالفعل... وإن كل شيء جائز.

لا يستطيع كائن من كان أن يفهم ما الذي يجري في أميركا، فعندما تبادر الاستخبارات هناك إلى صبِّ ماءٍ بارد على قضية القدرات النووية الإيرانية المرتفعة الحرارة التي أضافت ارتفاعاً جديداً إلى حرارة هذه المنطقة، فإن هذا يشكّل لُغزاً من ألغاز «ألاعيب الأمم» التي حكمت العلاقات الدولية في مراحل سابقة عندما كان هناك صراع معسكرات، وعندما كانت هناك حرب باردة.

فإمَّا أن الولايات المتحدة، هذه الدولة العملاقة التي غدت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي القطب الأوحد والوحيد في العالم كله، دخلت في خريف عمرها، وغدت مجوّفة من الداخل وكـأنها «ديناصور» ضخم الحجم لكنه مريض من داخله، وبدأ التآكل يدبُّ في أحشائه، وإمَّا أن هناك تبادل أدوار بين إدارة الرئيس بوش وأجهزته الاستخبارية التي من المفترض أنها الأقرب إليه والأكثر تناغماً مع سياساته وتوجهات إدارته.

قالت الاستخبارات الأميركية في تقريرها، الذي هزَّ أميركا وهزَّ العالم وفرح به الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فرحة طفل وصلته هدية من والده الغائب، إن إيران أوقفت برنامجها النووي للأغراض العسكرية في عام 2003، والغريب أن المعلومات تتحدث أنّ الـ«سي.آي.إيه» اعتمدت في تقريرها هذا، الذي فاجأ واشنطن وكل العواصم الكبرى، على مصادر صحفية غير موثوقة وعلى مسؤول واحد في وكالة الطاقة النووية الدولية يُعتقد أنه محمد البرادعي.

وهناك ملاحظة ثانية وهي أن الكشف عن هذا التقرير قد جاء بعد إعلان كلٍّ من الصين وروسيا موافقتهما المبدئية على فرض المزيد من العقوبات على إيران استجابة لإلحاح الرئيس بوش، الذي بادر بعد هذا الإعلان الاستخباري مباشرة إلى التأكيد عبر وسائل الإعلام وعبر وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس وعدد من مساعديه، في مقدمتهم نائبه ديك تشيني أنه «لا تغيير» في السياسة الأميركية تجاه طهران و«... أن طهران كانت خطيرة وستظل خطيرة... وأن الدبلوماسية هي طرح كل الخيارات على الطاولة»!

إنّ كل شيء جائز وإنه من غير المستبعد أن تكون هناك «لعبة أمم» أُخرى وإنّ الإعلان، بمبادرة مـــن إدارة بوش، عن تقرير الاستخبارات هذا وفي هذا الوقت بالتحديد ربما يُخفي أن هناك «يالطا» أُخرى، وأن مُقبِلات الأيام ستكشف عن أن هذه اللعبة تتكرّر، وأن هذه المنطقة الحساسة ستشهد خريطة سياسية جديدة تأخذ بموجبها كل دولة كبرى الحصة التي تستحقها!

إنه شيء محيِّر بالفعل... فهل لجأت أميركا إلى تقرير استخباراتها هذا من قبيل ذرِّ الرماد في العيون ولدفع الإيرانيين إلى الاسترخاء بحيث تكون الضربة العسكرية التي ستوجهها إليهم، والتي كما هو واضح لم يتخلّ عنها الرئيس بوش بعد، مفاجأة وصاعقة؟! إن كل شيء جائز وإنه لابد من الإشارة إلى أن هذا التقرير لم يقلل من قدرة طهران على تطوير أسلحة نووية بحلول عام 2010، الذي غدا على الأبواب، والسبب هو أن محمود أحمدي نجاد مُصرٌّ على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بكميات أكثر مما تحتاجه الأغراض السلميّة.

إنه أمرٌ يدعو إلى الحيرة بالفعل، فالرئيس جورج بوش كان قد رد بالقول عندما سُئل في السابع عشر من أكتوبر الماضي عن الطموحات النووية الإيرانية: «أعتقد أنّ الإيرانيين يريدون الحصول على القدرات التكنولوجية والمعرفة لتطوير أسلحة نووية... إذا كنا راغبين في تجنّب حرب عالمية ثالثة فعلينا أن نمنعهم من امتلاك هذه المعرفة». والغريب أن مستشار الأمن القومي الأميركي ستيفن هادلي قد أكد في تصريحات صحفية قبل أيام أن رئيسه كان على علم بما احتواه تقرير الاستخبارات الآنف الذكر قبل عدة أشهر!

* كاتب وسياسي أردني

back to top