هذا الخلاف السياسي ما هو إلا تجسيد صريح وواضح لفشل الطرفين، وأقصد الحكومة والبرلمان، فعندما شعر الطرفان بأنهما قد صارا على محك الحكم الشعبي بأن أحدهما هو السبب الأساس في كل ما آلت إليه البلاد من ترد وتدهور، كان لابد من المواجهة بوجه مكشوف وبالأسلحة البيضاء!يكرر البعض بشيء من الاستغراب مقولة إنه لم يسبق في تاريخنا السياسي أن ظهر الخلاف بين رئيسي الحكومة والبرلمان بهذه الحدة والوضوح الذي برز فيه الخلاف ما بين رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد ورئيس البرلمان السيد جاسم الخرافي، لكنني أقول إن ما حصل كان نتيجة حتمية لتسارع عجلة الانحدار ولتتابعها منذ أول حكومة للشيخ ناصر المحمد.
إن حالة عدم التوافق ما بين الحكومة والبرلمان، تلك الحالة التي استفحلت حتى صارت مكشوفة للجميع من دون استثناء، لا يمكن أن تكون مرتبطة بكتلة محددة تحمل أجندة معينة تريد تنفيذها، حتى يسع أحد أن يقول إن حالة الاختناق السياسي التي تمر بها البلاد تسببت بها هذه الكتلة أو الجماعة، كما يحلو لبعضهم أن يوجه هذا الاتهام الى كتلة العمل الشعبي، فمراجعة سريعة لتصريحات النواب خلال الفترة السابقة ستكشف لنا أن السخط النيابي من أداء الحكومة لم يعد محصوراً بنواب المعارضة التقليديين، وإنما تجاوزه إلى المستقلين، بل حتى وصل إلى أولئك النواب الذين كانوا يحسبون في العادة في «جيب» الحكومة على طول الخط!
لذلك فإن إعلان السيد جاسم الخرافي عن عدم رضاه عن أداء الحكومة، وتوجيهه انتقاداته الشديدة الى رئيسها بهذه الطريقة الساخنة، لا يخرج عن هذا الإطار المفهوم الذي رسمته الوقائع المتتالية.
أما محاولة إرجاع سبب هذه الغضبة غير المعتادة من رئيس البرلمان، وهو من عرف عنه هدوء الأعصاب والمحافظة الدائمة على عدم قطع خطوط الاتصال مع الحكومة، وحرصه على لعب دور عنصر التهدئة ما بين الفريق الحكومي من جانب والفريق البرلماني من الجانب الآخر، إلى فكرة أنه شعر بالتهميش بعدما تم تجاهله في اختيارات الوزراء للتشكيلة الحكومية الأخيرة، فإنها محاولة عبثية، ولا يمكن التصديق بها بحال من الأحوال.
يبقى جاسم الخرافي بما يمثله من رمزية سياسية من جهة، وبما يعنيه من ثقل اقتصادي من جهة أخرى، أكبر بكثير من أن ينفجر غاضبا، وأن يتخذ هذا الموقف السياسي الحاد كرد فعل وانفعال شخصي غير محسوب العواقب، وكذلك في المقابل يبقى الشيخ ناصر المحمد رئيس الحكومة، وهو من أنيطت به مسؤولية قيادة الحكومة في هذه الحقبة الزمنية الصعبة، أحكم من أن ينجرف في تصادم سياسي صبياني مع رئيس البرلمان على خلفية أمر ركيك مثل هذا. إن المسألة ترتبط بعوامل أكثر تشابكاً وتعقيداً من هذا الأمر دون أدنى شك!
هذا الخلاف السياسي ما هو إلا تجسيد صريح وواضح لفشل الطرفين، وأقصد الحكومة والبرلمان، في الوصول إلى حالة التراضي والقبول التي كانت تقوم على أساس المصالح والمنفعة المتبادلة التي كانت تقنع الطرفين وتمكّنهما من إسكات الأصوات الشعبية المتذمرة من التدهور السياسي والاقتصادي والتنموي المستمر، كما كان يحصل طوال السنوات الماضية. لذلك وعندما شعر الطرفان بأنهما قد صارا على محك الحكم الشعبي بأن أحدهما هو السبب الأساس في كل ما آلت إليه البلاد من ترد وتدهور، كان لابد من المواجهة بوجه مكشوف وبالأسلحة البيضاء!
لكنني، والحالة تبدو بهذا الشكل المأزوم الجاف، أجدني ألتمس بعض قطرات التفاؤل، وذلك من باب أنه ليس بعد وصولنا إلى هذه النقطة المنخفضة جداً إلا الارتفاع... فتفاءلوا!