د.فضل... عبد القادر بن عبد العزيز... سيد إمام... ظل هذا الاسم داخل تنظيم «الجهاد» في مصر محاطا بغموض كثيف فترة طويلة وتضاربت الأنباء عن حقيقة شخصيته وصلاحياته التنظيمية والعلمية، حتي أن كثيرا من المراجع والكتب التي صدرت مبكرا عن تنظيم الجهاد لم تشر الى اسمه، بل إن أبناء الجماعة نفسها قبل غيرهم لم يعرفوا حقيقة الأسماء التي بدأت تتسرب عبر وسائل الإعلام بطريق البيانات أو الرسائل التي اشتهرت بالصفراء، نسبة إلي لون غلافها، والتي أعلنت عن ولادة جماعة الجهاد بمصر في كنف المغارات والكهوف بجبال وأودية أفغانستان منذ عام 1989... من ذلك الرجل؟

Ad

واعتقد كثيرون من أعضاء «الجهاد» وهم يبايعون دكتور فضل أميراً للتنظيم، أن الاسم الحركي يرجع إلى القيادي الدكتور أيمن الظواهري الساعد الأيمن لتنظيم القاعدة ولأسامة بن لادن الآن الذي كادت الآذان في تلك الفترة تعتاد اسمه بعد أن شغلها اسم ضابط المخابرات السابق عبود الزمر كرمز جماعة الجهاد منذ اغتيال الرئيس السادات، ولم يكن دكتور فضل الاسم الوحيد الذي تعامل به سيد إمام، وإنما اشتهر حركيا في أوساط الجهاديين بأفغانستان بعبد القادر بن عبد العزيز والذي عرف كمسؤول للجنة الشرعية لجماعة الجهاد، ولم يكتشف الجهاديون بمصر أو المتابعون لملف تحركات الجهاديين بأفغانستان أن الاسمين لشخص واحد يعمل طبيباً جراحاً أهم سماته الانطواء وتجنب النواحي الاجتماعية والانكفاء على تحصيل العلوم الشرعية بشكل واسع.

وكانت المرة الأولى التي ذكر فيها اسم سيد امام متهما في قضية الجهاد الكبري التي تلت عملية اغتيال الرئيس السادات عام 1981 في القضية التي حملت رقم 462 لسنة 1981 حصر أمن دولة علىا، وضمت 302 متهم، من بينهم سيد امام رقم 190 في قرار الاتهام، وصدر الحكم ببرائته لانه كان قد غادر مصر قبل عام 1981، أي قبيل حادث المنصة.

أما السبب في تلك السرية الشديدة التي أحاط بها أمير الجهاد نفسه فتعود الى اعتماده ودقته في استخدام منهج السرية بشكل فائق في كل الادوار التي يؤديها، وفي تحركاته، سواء على المستوى الشخصي أو التنظيمي.

وظل سيد امام لغزاً لأجهزة الأمن ووسائل الإعلام التي لم يتعامل معها أبداً، فضلاً عن ابتعاده تماماً عن التورط في الظهور العلني داخل البلاد التي حملته رحلة التنظيمات إليها، ووصل تمسكه بالسرية، وإمعانه في إخفاء اسمه درجة أن معظم المتهمين في تنظيم الجهاد الذين سلمتهم دول عربية وأجنبية إلى مصر لم يكونوا يعرفون اسمه الحقيقي، إلا بعد أن عرض علىهم الأمن صوراً له فأقروا بأنهم التقوا صاحب هذه الصورة دون أن يعلموا من هو.

بدأت رحلته خارج مصر قبل اغتيال الرئيس السادات مباشرة، وكانت محطته الاولى في المملكة العربية السعودية، حيث عمل هناك طبيبا، وفي عام 1986 وصل اليه تلميذه وصديقه ايمن الظواهري، الذي التحق بالعمل أيضا هناك كطبيب هو الاخر، ثم غادر الاثنان المملكة معا إلى مدينة بيشاور على الحدود الباكستانية الافغانية لتبدأ فصول جديدة في حياة الرجلين « امام والظواهري».

في أفغانستان تولى سيد امام إمارة التنظيم بعد اجتماع للقادة، واستقر القول وفقا لرغبته في تسميته بلقب عبد القادر بن عبد العزيز، وهو اسم لا يوحي بأن صاحبه مصري، كما يحقق رغبة إمام في ألا يعرف الناس أنه الأمير الحقيقي، لكن الشهرة كانت من نصيب الظواهري الذي يجيد اللغة الانكليزية ويتحدث بها لوسائل الاعلام شارحا قضية الجهاد.

ومن هناك قاد التنظيم ووجه أعضاءه حتي عام 1993، حدثت هزة كبيرة في التنظيم بسبب انكشاف جناح «طلائع الفتح» العسكري الخاص وحتى قيام السلطات المصرية بإلقاء القبض على نحو ألف شخص من أعضائه وأدى ذلك إلى أزمة كبيرة داخل الجماعة دفعت تياراً قوياً إلى أن يدعو إلى محاسبة القيادة عما حدث وبخاصة أيمن الظواهري الذي كان معروفاً للعامة أنه الأمير واحتدم الخلاف الداخلي بين الأعضاء والقيادات الذين خرج معظمهم من مصر إلى السودان في ذلك الوقت وطالب كثيرون بحضور الأمير الحقيقي الدكتور سيد إمام من باكستان التي ظل مقيماً بها ولم يغادرها ولم يستجب إمام فطالب التيار المتمرد باستقالته من إمارة الجماعة واختيار أمير جديد لها أكثر قدرة على إدارة شؤون التنظيم غير الدكتور إمام الذي اهتم في تلك المرحلة بالتنظير وترك شؤون الإمارة للظواهري.

ومع استفحال الخلاف الداخلي دفع إمام إلى تقديم استقالته من الإمارة ومن تنظيم الجهاد كله وأبلغ بذلك قيادات التنظيم وأعضاءه الأمر الذي انتهى بعد ذلك باختيار الظواهري أميراً بعد أن ظل التنظيم فترة بلا أمير.

ولسيد إمام أربعة أولاد وبنت من زوجته الأولى وهى فلسطينية، ثم تزوج من سيدة يمنية في مدينة «إب» وأنجب منها بنتا وفي عام 1993 غادر إمام باكستان متوجهاً إلى السودان ثم إلى اليمن وعمل بمستشفى «الثورة العام» بمدينة «اب» جنوب العاصمة صنعاء متطوعاً من دون أجر ثم عمل في مستشفى «دار الشفا» الخاص.

ورغم أن إمام لم يسافر قط إلى ألبانيا فإن المحكمة في قضية «العائدون من ألبانيا» حكمت علىه في إبريل عام 1999 بالسجن المؤبد غيابياً بعد أن ذكر المتهمون اسمه صراحة كأمير لتنظيم الجهاد.

وكتب سيد إمام مؤلفات عديدة لكن أهمها «العمدة في إعداد العدة» وأشملها وأجمعها هو «الجامع في طلب العلم الشريف» الذي يعتبره جميع خبراء الحركات الإسلامية في العالم أنه أسس لفقه القتال الذي سار علىه تنظيم «القاعدة» في تحالفه مع تنظيم الجهاد ويرى إسلاميون من مختلف التيارات أن كتاب «الجامع» هو الأهم منذ كتاب «في ظلال القرآن» للكاتب سيد قطب.