فى عام 1920 م جرت معركة ميسلون التى انتصر فيها الفرنسيون على القوات السورية وتم احتلال دمشق ودخل القائد الفرنسي العاصمة فرحا فخورًا، واتجه إلى قبر صلاح الدين ووقف أمامه، وقال في شماتة « نحن قد عُدنا يا صلاح الدين

Ad

وبعد الاحتلال قاد المقاومة الشعبية في دمشق وحلب ثائر أبيٌّ، هو إبراهيم هنانو، اعتصم هو ورجاله بالجبال، وشنوا الهجمات المتتالية على قوات الاحتلال.

ولد إبراهيم هنانو في بلد «كفر تخاريم» من أعمال حلب سنة 1869م ونشأ في أسرة ذات غِنى ويسار، تنحدر من أصل تركي؛ فعنيت بتربيته وتعليمه. وبعد أن أتم تعليمه الأوَّلِي أُرسل إلى «الاستانة»، والتحق بالمدرسة الملكية للحقوق والإدارة، وبعد التخرج تقلب في مختلف الوظائف الإدارية متنقلاً في بعض المدن العثمانية، حتى انتهى به الحال رئيسا لديوان ولاية حلب وفي أثناء ولايته كانت القوات الفرنسية ترابض في الساحل السوري، وأظهرت نواياها الخبيثة ضد البلاد، ولم يصمت الأحرار في سورية، فقام نفر من الثوار في شمال سورية يناوشون القوات الداخلية، وعهدت جمعية «الدفاع الوطني» بحلب إلى «هنانو» بجمع المال والسلاح، وكانت هذه الجمعية قد تشكلت من القادة الوطنيين لتنظيم المقاومة ضد المحتلين. وقام «إبراهيم» بإمداد الثائرين في الساحل بالمال والسلاح والرجال، ونظم أمورهم حتى اشتدت يدهم في مقاومة الفرنسيين. قاد «هنانو» الثورة ضد المحتل ونظمها في ثلاث مناطق لكل منها قائد تحت إمرته وعلى اتصال به، واعتصم بالجبال، وبدأ يذيق المستعمر ويلات العمليات الخاطفة والضربات السريعة، وتعددت تلك المعارك حتى بلغت مئة وسبع عشرة معركة، ألقت الرعب والهلع في نفوس المحتلين، وأصبح لا عاصم لها سوى طلب المفاوضة مع «هنانو»، ووقف القتال ومبادلة الأسرى، ولكن المفاوضة لم تلقَ نجاحًا بسبب غطرسة «غورو» وكِبْرِهِ.

واستأنف «هنانو» القتال مرة أخرى، وكانت الإمدادات تصل إلى «هنانو» من الدولة العثمانية، فتعينه على مواصلة الجهاد، وتوجيه الضربات الموجعة؛ فتنبهت القوات الفرنسية إلى ضرورة قطع الإمدادات عن «هنانو» ورجاله، وقد نجحت في ذلك، وفي الوقت نفسه استقدمت قوات كبيرة لمحاصرته وتضييق الخناق عليه. ولمَّا ضاقت الأحوال بـ «هنانو» بعد قطع الإمدادات عنه، وفقد نصيرا كان يشد من أزره، جاءته الأخبار بأن الأمير «عبد الله الحسن» أمير شرق الأردن على استعداد لمعاونته، وإمداده بما يحتاجه من سلاح، فغادر «هنانو» معقله في الجبال مع أربعين من ضباطه، وولوا وجوههم شطر الأردن تحت جُنْحِ الظلام، غير مبالين بالأخطار والمهالك وعيون المحتلين، وبينما يمر هو ورفاقه بجبل «الشعر» في صباح يوم 16 من يوليو 1921م بالقرب من حماة، هاجمتهم القوات الفرنسية تريد القبض على القائد حيًّا، أو تفتك به وبمن معه؛ فكانت معركة «مكسر الحصان»؛ حيث قُتل فيها فريق من المجاهدين، وأُسر بعضهم، ونجا «هنانو» وأحد رجاله، فاتجها إلى عمان، واتصل بالأمير عبد الله فرفض مساعدته، فاتجه إلى فلسطين، ولما علمت السلطات الفرنسية بوجوده هناك سارع المفوض السامي الفرنسي في سورية بعقد اتفاق مع الإنكليز في فلسطين يقضي بتبادل المجرمين، وكان القصد تسليم «هنانو» إلى السلطات الفرنسية، فتم لها ما أرادت، واعتقلت القوات البريطانية «هنانو» وهو في القدس في (8 من ذي الحجة 1339هـ = 13 من أغسطس 1921م) وسلمته إلى السلطات الفرنسية، ولم تعبأ باحتجاج الأمير عبد الله على هذا التصرف المخزي، ولا بقيام المظاهرات التي اشتعلت في فلسطين تنديدًا بهذا الفعل الخسيس.

وطالب النائب العام الفرنسى باعدامه وقال في كلمته التي استغرقت ثلاث ساعات «لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه لطلبت إعدام رؤوسه السبعة، ولكنه لا يملك إلا رأسا واحدا»، وانتهت المحكمة بالبراءة على غير ما كان يُتوقع من سير المحكمة؛ إذ اعتقد الفرنسيون أن أي حكم عليه سيؤدي إلى ثورة عارمة لن يستطيعوا الوقوف أمامها، فآثروا السلامة وعدم تصعيد الأمور.

وعندما أُفرج عنه استقبله الناس في «حلب» استقبالاً رائعًا، وتحوَّل إلى رمز فى العمل السياسي، وظل طوال حياته سيئ الظن بنوايا الفرنسيين؛ رافضًا الاعتراف بالانتداب.وفي أخريات حياته أُصيب بمرض عضال تُوفِّي على اثره، ودفن في حلب في 21 من نوفمبر 1935م