ما قل ودل: الاستجواب... ونص دستوري غائب
يحتل الاستجواب فى الكويت أهمية كبيرة، ويعتبر أخطر أدوات الرقابة البرلمانية وأهمها، بالرغم من أن دولاً كثيرة تترسخ فيها أسباب الحكم الديموقراطي والممارسة الديموقراطية السليمة، وهي لا تعرف نظام الاستجواب أصلاً منها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا واليابان وأيرلندا والهند وملاوي.كما أن دولاً ديموقراطية أخرى لا يحمل الاستجواب – وفقاُ لدساتيرها – سمة الاتهام، بل هو لا يعدو أن يكون وسيلة للحصول على معلومات، شأنه شأن السؤال، ولا يختلف عنه إلا في أنه يطرح الموضوع – محل الاستجواب– لمناقشة عامة يشارك فيها أعضاء البرلمان كافة، ومن هذه الدول النمسا وألمانيا والبرازيل وإيطاليا وهولندا وسويسرا والسويد.
وترجع أهمية الاستجواب في الكويت إلى أنه يكاد يكون عاملاً موازناً لخلو الدستور الكويتي مما تشترطه الدساتير الأخرى من وجوب حصول الحكومة عند تشكيلها على الثقة من البرلمان، وفي أي تعديل وزاري، فإن لم تحز الحكومة أو الوزير المعين في التعديل على ثقة البرلمان، يعود الأمر إلى رئيس الدولة ليعيد تكليف من يراه بتشكيل الحكومة، أو لتعيين وزير خلاف الوزير الذي لم يُمنح ثقة البرلمان.كما يمكن للبرلمان في هذه الدول سحب الثقة من الحكومة، لعدم رضائه عن أدائها أو عن أداء بعض وزرائها، ولو كان هذا البعض وزيراً واحداً، ولا مانع في هذه الحالة من أن يكلف رئيس الحكومة المستقيلة، أو التي سحبت الثقة منها، تشكيل حكومة جديدة، يستبعد منها الوزير أو الوزراء الذين كان طرح الثقة بالحكومة بسبب عدم رضاء البرلمان عن أدائهم.ومن الجدير بالذكر أن القانون الأساسي الفلسطيني يوجب عند تشكيل الحكومة أن تنال ثقة المجلس التشريعي، الأمر الذى دخلت فيه الحكومة الجديدة التي شكلها رئيس السلطة الفلسطينية، بديلاً عن حكومة إسماعيل هنيه في مأزق دستوري، لتوقع حجب الثقة عنها من المجلس التشريعي، الذي تحتل فيه حركة «حماس» أغلبية المقاعد.أي أن الاستجواب في الكويت يقوم بوظيفتين: الوظيفة الأولى، وهي الوظيفة التي شُرع لأجلها الاستجواب - وفقا لدستور الكويت– باعتباره اتهاماً للوزير باقتراف أفعال معينة يكون مسؤولاً عنها مع شرح الظروف والملابسات كافة التي تحيط بالاتهام، ومجابهة الوزير المستجوب بما قام على اتهامه من أدلة، ومناقشته في أجوبته مناقشة عامة يشارك فيها عدد متساو من النواب المؤيدين للاستجواب أو المعارضين له في جلسة تعقد بعد ثمانية أيام على الأقل من تقديم الاستجواب، لتتكشف الحقائق لبقية النواب عند طلب طرح الثقة به، وهو طلب يقدم من عشرة نواب، ويكون رهناً بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس عدا الوزراء، بحيث لا يشارك الوزراء في التصويت على الثقة.بل – وكما تقول المذكرة التفسيرية للدستور – إن تجريح الوزير بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها لدى الرأي العام.الوظيفة الثانية، وهي أن يكون بديلاً مشروعاً، لأداة أخرى من أدوات الرقابة البرلمانية- والتي جاء الدستور الكويتي خلوا منها - وهي الرقابة المسبقة على اختيار الحكومة والوزراء، والتي تمارسها البرلمانات في الدساتير الأخرى بمنح الحكومة الثقة عند تشكيلها أو حجب الثقة عنها.ولعل ما يؤكد ذلك أن بعض الوزراء الذين تم استجوابهم – في الكويت – كانوا يتعرضون لتهديد النواب بالاستجواب، بمجرد حملهم الحقيبة الوزارية، وقبل أن تقع منهم أمور تبرر استجوابهم، وأحياناً قبل ممارسة أعمالهم وقبل إصدار الوزير أي قرار.واعتبارنا أن الوظيفة الثانية للاستجواب بديلاً مشروعاً، يرجع سببه الى سابقة دستورية أدخلت البلاد في أول أزمة دستورية، عندما امتنع بعض النواب فى عام 1963، عن حضور جلسات مجلس الأمة التي كان الوزراء سوف يحلفون فيها اليمين الدستورية أمام المجلس بعد تشكيل الحكومة، مما أدى إلى فقدان النصاب، وتكرر ذلك، الى أن أعيد تشكيل الحكومة، بما اعتبرت معه أول سابقة برلمانية، إذ كان ذلك بمثابة حجب الثقة عن الحكومة السابقة، بالمخالفة للدستور الذي لا يعطي مجلس الأمة هذا الحق.وهو المسلك ذاته، الذي سلكه بعض أعضاء البرلمان التركي للحيلولة بين النائبة مروى طوقان وبين حلف اليمين، لإجبارها على خلع الحجاب، التزاماً بسياسة تركيا العلمانية، وهو ما رفضته وأصرت على رفضه، الأمر الذى انتهى الى فقدانها عضوية البرلمان.وربما يطرح في المستقبل مسألة نيل الحكومة ثقة المجلس فور تشكيلها، ليستقل الاستجواب بوظيفته الأولى التي شرع أصلا لها، وهي مسألة تحتاج إلى تعديل دستوري، لا أدري إن كان قد حان أوانه.