اقدم الكاتب الأميركي وليم بوروز عام 1952 على قتل زوجته جوان بينما كان يلاعبها بلعبة وليم تل. وضع على رأسها قدحاً ثم أطلق عليه النار. أخطأ القدح ليصيبها برصاصة قاتلة. بعضهم قال ان بوروز وضع تفاحة، بالطبع لا فرق بين القدح والتفاحة طالما ان الموت واحد.
ربما كان بوروز يعيش «فتنة الشر» في خياله إثر إقدامه على قتل زوجته عن غير قصد، او يمارس نزوة طفولية نهايتها الشر فحسب. الحال ان الشر جميل في الادب في مقابل «رتابة» الخير. الشر جميل لأنه جزء من صناعة الخيال، جزء من الحلم او من الاشياء التي نتخيلها وقد لا نعيشها في الواقع. نمدح الشر في الادب ونرتبك منه في الحياة، هذا هو الواقع. في الماضي قيل «اعذب الشعر اكذبه»، الآن اعذب الروايات اكثرها شراً او لا أخلاقية. فتنة الشر الجميلة في الأدب، ربما سحرت بوروز، جعلته يطبقها في الواقع. هكذا كان «جيل الصرخة» قاسياً على نفسه من خلال انتهاكه أي شيء، والمثل البارز على هذا الجيل بوروز الذي كتب ذات يوم «ما من شيء يوجد ما لم يراقب. فالفنان يجعل الشيء موجودا عبر مراقبته وأمله من الناس الآخرين أنهم سيجعلونه موجودا عبر مراقبته». هل كان يراقب زوجته عندما اطلق النار عليها وارداها؟ بعيدا عن الكتابة وشرها، من يقرأ سيرة بوروز يجد فيه اشارة إلى أزمة وجود الانسان في العصر الحديث، هذه الازمة التي عبر عنها فرانز كافكا في «مسخه» وكانت اكثر فجاجة في ادب «جيل الصرخة» الاميركي. فبوروز المسافر إلى أميركا اللاتينية والجنوب الأميركي والمغرب وشمال أفريقيا، كتب روايته «الغداء العاري»، الفكرة المحورية في رواياته هي الهرب من السيطرة في مختلف أوجهها. ينشد حرية العالم الداخلي والفرد من سيطرة السلطات القانونية والاجتماعية. إقرار بوروز في عدم جدوى المخدرات نقله إلى مرحلة أخرى من حياته وإلى رواية أخرى «الشذوذ» التي يهاجم فيها آراء الأطباء والمعتقدات الأخلاقية المضادة لتلك الممارسات. يبدو أن خيالاته صورت له أن أميركا اللاتينية وشمال أفريقيا أماكن مفرغة من تلك القيود، بل إنها تحقق الطوباوية وهو ما عبر عنه في روايته «الغداء العاري» حين انتقل فيها إلى طور آخر من النظر إلى العلاقة إثر ربطه بين «الحب والموت»، محاولا القول إن التحول والتغيير في الأنماط والمعتقدات حول «الحب» يؤدي إلى حياة إنسانية جديدة. يقول غريغ مولينز في كتابه «شؤون استعمارية» إن رحيل بوروز إلى الشرق كان بمثابة رحلة عبر الزمن حيث العودة إلى الماضي، لكنه مع الوقت اكتشف أن ذلك غير ممكن. حاول أن يعيش في طنجة من دون أي اتصال اجتماعي وعاطفي أو بالحد الأدنى من ذلك. حرص أن يقصر تعامله على شراء ما يحتاج من طعام ومخدرات من دون معرفة الذين يشتري منهم! حاول تعويض ذلك بعلاقته عبر الكتابة سرعان. ما تزعزعت عنده فكرة الحرية الداخلية، وجد أن الحياة والسعي وراء حاجات الحياة اليومية قيد آخر. هنا اتجه إلى التحايل على هذا الموقف في حربه على اللغة ذاتها، مستخدما تعبير «فيروس الكلمة»، معتقدا أن طريقة التعبير اللغوي تشكل قيداً آخر يهرب منه، هنا استخدام طرق جديدة في فهم النص وفي الكتابة. بوروز المهاجر الى الشرق، عاش في طنجة منعزلاً. لم يكن يثق بأحد، بحسب محمد شكري، الى حد انه كان يخرج الى الشارع وفي جيبه سكين ويحمل مسدسه الذي يلمعه باستمرار. آفة بوروز في التفاهم مع المغاربة ومحاولة العيش معهم هي انه رفس تقاليدهم وإن تحاملاً. كتب الى براين غيسن في باريس: «ينبغي المغادرة قبل إطلاق مسدسات اللايزر على أهل طنجة. هذا ايماء الى «فيروس الحياة».
توابل - ثقافات
فيروس الحياة
21-07-2007