Ad

الواقع هو أنه لا معنى لكتابة المذكرات الشخصية إذا اجتنبت الخوض في التفاصيل، لأن العلاقات الدقيقة بين صانعي الأحداث هي ما يعطيها معناها.

«الوصول إلى مرحلة احترام كل من الحاكم والمحكوم لممارسة العمل السياسي ضمن بنود ومواد الدستور، كان نتاج أحداث دقيقة عايشها شباب الأمس، مؤتمن عليها شباب اليوم».

أبحر فينا الدكتور أحمد الخطيب عبر الزمن، على ظهر «بوم» قاعه مزود بعدسات زجاجية مكبرة، سمح لنا بذلك الإبحار أن نعيد ركوب خط سيره، مع مشاهدة كل الأحياء المائية في الطريق، والقاع بصخوره المرجانية وأطيانه. وبقدر ما أمتعنا ذلك السرد التفصيلي لنضال شعب تميز عن جيرانه، وحصد الثمار بخلق دولة دستورية حديثة، يتعاطى أهلها الحرية من دون خوف إلا على الوطن، بقدر ما أثارت تفاصيله حفيظة بعضهم، وأثارت ردود فعل بعضها غاضب جداً، ولا بأس في ذلك.

وكتابة التاريخ في منطقتنا أقرب إلى قصص الخيال منها إلى الواقع، فهي تحكي بطولات غير موجودة، وتبتعد الأفعال عن مسمياتها، لأنها تتمحور حول شخصية الحاكم أيا كان، تضخم كل ما من شأنه أن يكون له، وتلغي أو تستصغر كل ما من شأنه أن يكون عليه، في حين أن كتابة التاريخ من وجهة نظر شعبية ليست أمراً مألوفاً، وسوابقه التاريخية نادرة، والاستثناءات وإن كانت صحيحة، لا بد أن تواجه بردود فعل عاتية.

وينتقد بعضهم خوض د. الخطيب في التفاصيل الدقيقة لأحداث واجهها، ومعظم النقد ودي ومن الشباب الغيور على نضال الدكتور التاريخي بدافع الخوف عليه، والواقع هو أنه لا معنى لكتابة المذكرات الشخصية إذا اجتنبت الخوض في التفاصيل، لأن العلاقات الدقيقة بين صانعي الأحداث هي ما يعطيها معناها، وهو الذي يساهم في تفسير وتحليل الأحداث غير المروية، وقراءة ما بين السطور. وخوفاً على التاريخ من أن تحجب بعض تفاصيله تجنباً لردود أفعال الأحياء، ينصح علماء التاريخ بعدم نشر مدونات التاريخ في وجود أحياء شاركوا في صناعة أحداثه.

أعتقد بأن ما فعله د. الخطيب سابقة يجب أن تحتذى، فلا أحد يختلف على أن شخصه وتاريخه يشهدان بمصداقيته العالية، كما أنه في قلب الحدث خلال الحقبة الزمنية التي روى أحداثها، فشكرا د. أحمد الخطيب، وشكراً لكل من عارضه أو أيده وروى قراءته تلك الأحداث.