البعثيون الجدد والمقاومة 1/2

نشر في 30-07-2007
آخر تحديث 30-07-2007 | 00:00
 علـي بلوط

جرى احتلال بغداد في أقل من ثلاثة أيام، وكانت المدة كافية لمجموعة علماء الاتصالات، مع غيرهم، في النزول تحت الأرض، ليس في بغداد فحسب، بل في طول العراق وعرضه. وبقيت مجموعة غير معروفة العدد من «مجموعة العلماء» سليمة، ثم خرجت هذه المجموعة الصغيرة من مخابئها بعد حوالي أربعة أشهر من احتلال العاصمة، حيث عادت إلى ممارسة نشاطها.

أصبح للعراق الآن «جسم مقاوم متكامل»، أبرز ما في هذا الجسم العينان والدماغ واليدان والأسنان. وفي العلم العسكري المتعارف عليه، فإن إنشاء الجيوش يتمّ طبقاً للجسم البشري ولوظائف أعضائه. فلكل عضو دوره الذي لا يُستغنى عنه. وغياب عضو أو فقدانه يؤثر سلباً على عمل بقية الأعضاء.

أهم ما في الجسم العراقي المقاوم حالياً هي العيون. فهي تراقب، ليل نهار، الساحة القتالية في مداها الواسع. ويتمّ اختيار عناصرها على أساس الخبرة والكفاءة. وظيفتها العملاتية هي وظيفة جهاز المخابرات. وقد وصل هذا الجهاز الى «مرتبة مرضية»، كما وصفه واحد منهم، لجهة «تنفيذ المهمات والتنسيق» مع قيادتها، التي لها الحق وحدها، بإعطاء أوامر تنفيذ العمليات القتالية، في ضوء ما تراه عيونها.

هدف هذا المقال هو إلقاء ضوء خافت على تنظيم المقاومة، دون ذكر الأسماء أو أماكن وجودها، لسبب بسيط، وهو أن الأسماء تتغير كل يوم، وربما كل ساعة، وكذلك أمكنة الوجود. إنهم في كل مكان. إنهم جيش من الأشباح السريعي الانتقال والتنقل.

قيل: على سبيل المثال، لو دخل شخص ما العراق من حدوده الغربية عبر الأردن، متوجهاً إلى بغداد، فإن اسمه، وفي بعض الأحيان رسمه، يصل إلى مركز قيادتنا قبل أن يقطع نصف المسافة، ثمّ توزع هذه المعلومات على مختلف مراكزنا، سواء كانت في الجنوب أو الشمال أو الوسط أو العاصمة. إحدى «حسنات» الاحتلال، وهي قليلة، أنه جلب معه أحدث تكنولوجيا الاتصالات، التي كنا نفتقدها في السابق، وهي، في معظمها، مرتبطة بالأقمار الصناعية، وقد تمكن «علماؤنا» من تطويرها وجعلها صالحة لاستخدامنا الخاص بعيداً عن عيون وآذان قوات الاحتلال.

مجموعة علماء الاتصالات كانت موجودة إبان النظام السابق. قيل وقتها أن عدد المنضوين تحت لوائها بلغ خمسمئة عالم وخبير قبل الاحتلال. هؤلاء تلقوا تدريبات في الدول المتقدمة علمياً مثل؛ الدول الإسكندينافية وأوروبا الشرقية، وفي بعض الأحيان إيطاليا وفرنسا، وبعضهم تلقى تدريبه في الولايات المتحدة الأميركية، بمعرفة واشنطن، قبل أن ينتهي شهر العسل الأميركي – العراقي باحتلال الكويت. معظم أفراد هذه المجموعة نزلت «تحت الأرض» بعد احتلال العاصمة بغداد آخذة معها ما خف حمله وغلت قيمته من أدوات وأنظمة عمل، بالإضافة إلى كل المعلومات المتعلقة بهذه الأدوات وأسماء المنتسبين لها حيث جرى نقلها على «ديسكات» كومبيوتر صغيرة الحجم ثمّ جرى إتلاف أجهزة الكومبيوتر الكبيرة، ولم يبق في مراكز ومكاتب أجهزة مخابرات العهد السابق سوى أطنان من الأوراق والوثائق التي ليس لها قيمة استخباراتية تذكر.

حسب الخطة التي وضعها النظام السابق، كان من المتوقع أن يبدأ العمل التكنولوجي التجسسي في اللحظة التي دخل فيها أول جندي أميركي أرض العراق. اختيرت بغداد كمركز قيادي، لأن الخطة التي وضعها صدام كانت تأمل في صمود عاصمته ثلاثة أشهر في وجه القوات الأميركية، يجري خلالها تنفيذ «خطة إنهاك» لهذه القوات في حرب شوارع طاحنة حملت اسم «معركة الأرض المحروقة». لكن الحسابات كانت خاطئة، وجرى احتلال بغداد في أقل من ثلاثة أيام، وكانت المدة كافية لمجموعة علماء الاتصالات، مع غيرهم، في النزول تحت الأرض، ليس في بغداد فحسب، بل في طول العراق وعرضه. وبقيت مجموعة غير معروفة العدد من «مجموعة العلماء» سليمة ما عدا الذين اختاروا سبل السلامة طريقاً لهم. هذه المجموعة الصغيرة خرجت من مخابئها بعد حوالي أربعة اشهر من احتلال بغداد حيث عادت إلى ممارسة نشاطها حسب الخطة الجديدة التي وضعها صدام قبل القبض عليه. ثمّ استلم القيادة نائبه (عزت الدوري) أبو أحمد.

هناك من يقول – مشدداً على قوله – إن صدام باشر العمل في تنظيم المقاومة في نهاية العام 1998، أي بعد عملية «ثعلب الصحراء» الجوية الأميركية التي دمرت عدداً كبيراً من الأهداف العسكرية في العراق. حدث ذلك في أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق كلينتون، وفي أعقاب سحب مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل. كان صدام يرى خيراً في عهد كلينتون. وكان يأمل في أن يتوصل معه إلى «تسوية ما». لكن عملية «ثعلب الصحراء» دمرت هذا الأمل وأقنعت القيادة العراقية آنذاك بأن الغزو الأميركي الارضي، وليس الغارات الجوية فقط، سيأتي عاجلاً أم آجلاً. وجد صدام نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للشروط الاميركية أو المقاومة، ولم يفكر صدام طويلاً فاختار الثاني، وبدأ يتصرف ويستعد على هذا الأساس، حيث قرأ معظم الكتب المنشورة، عن الأسلوب الفيتنامي في مقاومة الاحتلالين الفرنسي ثمّ الأميركي لفيتنام.

 

كاتب لبناني

back to top