Ad

ما مؤشرات النبرة التصاعدية التي واكبت حدثين مهمين؛ هما قضية القروض ومن بعدها مباشرة استجواب وزيرة التربية، إلا دليل واضح على طراوة عود الاستقطابات القبلية والطبقية والطائفية بفرزها الجديد مناطقياً على مستوى الدوائر الانتخابية القادمة.

المشهد التاريخي الذي سطرته الإرادة الشعبية بجرأة غير مسبوقة ومن خلال تلاحم وطني نادر أثناء المطالبة بالإصلاح السياسي عبر بوابة تقليص الدوائر وما ترجمته صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة، كشف تلقائية تعطش الكويتيين إلى فتح صفحة سياسية جديدة تتناسب في معطياتها مع قدم التجربة الديموقراطية وطموحاتها نحو الارتقاء والحداثة، كما بينت أجواء النصف الثاني من عام 2006 مؤشرات جدية على نضج القوى السياسية التي بادرت بالتبلور على شكل كتل برلمانية داخل المجلس والمطالبة بتأسيس الأحزاب السياسية وسط ارتفاع مستوى الخطاب السياسي وانتشار الصحافة التي تحولت إلى مجهر كبير للشفافية رغم الآثار الجانبية الناجمة عن دقة بعض الأخبار ومصداقية بعض المعلومات.

وفرضت المعطيات الحماسية الجديدة نفسها على بعض القرارات السيادية وخصوصاً بما يتعلق بخطوات التشكيل الحكومي واستبعاد بعض الأسماء منها أو فرض أسماء أخرى، بل وإعادة التشكيل الحكومي وغربلة وزرائه في سابقة قياسية ناهيك عن إعادة تفسير مبدأ الشراكة السياسية ومفهوم التعاون مع السلطة التنفيذية من خلال إقرار مجموعة من القوانين وفرض مجموعة أخرى من المقترحات ذات البعد الشعبي سواء على صعيد الإصلاح أو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين على جدول أعمال المجلس.

ولكن يبدو أن مؤشرات هذا التفاؤل أخذت في الأفول والتراجع، وقد تكون تقسيمة الدوائر الخمس أحد أسباب ذلك في ظل هاجس حل المجلس الذي بات مع كثرة التلويح والتهديد به الكابوس الجاثم على صدر الكثير من النواب وعدم الاستعداد للانتخابات المبكرة بشعارات وطنية جديدة تعيد أجواء اللحمة الشعبية، الأمر الذي أدى إلى عودة ظاهرة الاستقواء بالانتماءات الضيقة وبقوة من جديد في سباق مع الوقت.

وعلى الرغم من أن التقسيمات الطائفية والطبقية والقبلية تمثل واقعاً لا يمكن تجاهله أو حتى الانتقاص من شأنه، فإن التعاطي معه وبهذه الحدية وعلى حساب العمل الحقيقي من أجل تطوير النظام السياسي والانصهار في البوتقة الوطنية وجعل الدستور مظلة الجميع، ينم عن أخطاء فادحة يشارك فيها الجميع بقصد، أو بدون قصد، أو حتى من منطلق «حشر مع الناس عيد»!

وما مؤشرات النبرة التصاعدية التي واكبت حدثين مهمين؛ هما قضية القروض ومن بعدها مباشرة استجواب وزيرة التربية، إلا دليل واضح على طراوة عود الاستقطابات القبلية والطبقية والطائفية بفرزها الجديد مناطقياً على مستوى الدوائر الانتخابية القادمة، وليست الندوات والمهرجانات الخطابية التي تقيمها الكتل النيابية بصورة جماعية وما يصاحب ذلك من صخب إعلامي إلا دعايات انتخابية مبكرة موجهة لشرائح منتقاة وفي مناطق مختارة بعناية.

ومهما تكن مبررات هذا الاستقطاب الجديد، فإن نتيجة ذلك تكمن في تقوية شوكة السلطة التنفيذية وتحررها من الضغوط السياسية والنفسية التي كبحت جزءاً من قوتها في الاستفراد بالقرار بعيداً عن القراءة الميدانية لتوجهات الرأي العام وبالتالي عودة نشوة قدرتها على تفكيك القوى السياسية والقواعد الشعبية على خلفية إثارة القضايا الخلافية وزرع وزراء يكونون بمنزلة «عزيزو» عائلي أو قبلي أو مذهبي، ومن ثم تحصين نفسها من إفرازات المد الديموقراطي واستحقاقاتها السياسية وفي مقدمة ذلك تشكيل الحكومة الشعبية ذات الأغلبية البرلمانية.

أما الخاسر الأكبر فهو الأغلبية الصامتة التي تعيش النكد اليومي في ظل استفحال الواسطة والمحسوبية وتردي الخدمات وطوابير التوظيف وانتظار السكن الحكومي والاختناقات المرورية وشبح الديون وغلاء الأسعار، ومن المؤكد أن تستمر هذه الحالة لحقبة قادمة في ظل الرتابة السياسية القائمة والمتوقعة حتى في حال إجراء انتخابات مبكرة وفق التقسيمة الخماسية ما دام معظم النواب والمرشحين الجدد سوف يخضونها بعقلية وروحية ونفسية الدوائر الـ 25!