لم تنضم نايلة معوض إلى زملائها النواب في فندق فينيسيا ولا إلى زملائها الوزراء في السرايا الحكومية، وفضلت أن تمكث «سجينة» في منزلها بمنطقة الحازمية تنجز منه أعمال وزارة الشؤون الاجتماعية، ومطالب دائرتها الانتخابية. نايلة معوض، النائبة والوزيرة، الناشطة في قوى الرابع عشر من آذار والمرشحة الى رئاسة الجمهورية مع وقف التنفيذ تكثر من استخدام عبارة «لا سمح الله» وهي تتحدث عن الظروف السياسية والأمنية التي تحوط تفاصيل الاستحقاق الجديد مردّدة: «إذا ربحت قوى الثامن من آذار هذه المرحلة، مرحلة الاستحقاق الرئاسي، فسيكون وضع كل الأنظمة العربية والدول العربية مهدداً».
مخضرمة سياسياً، غير متفائلة لكنها ترفض الاستسلام للتشاؤم، «إذا استسهلنا هذه المرحلة فسنكون غير واقعيين، لكن لا يجب أن نترك الخوف يتغلب على عزيمتنا وصمودنا». ذكية وواضحة ومباشرة حين تريد... وغامضة إذا أرادت «والمرحلة تتطلب بعض الغموض».
على عكس ما ذكرت بعض وسائل الإعلام، معوض غير مرشحة الى رئاسة الجمهورية، لا بثلثي الأصوات ولا بالنصف زائدا واحدا، وهي تؤكد أنّ وصول بطرس حرب أو نسيب لحود إلى سدّة الرئاسة «يحقق طموحاتها السيادية الاستقلالية».
وبشأن كل ما سبق أجرينا معها الحوار التالي:
•
ماذا تلمسين من الحركة الدولية الناشطة عن لبنان؟ ما ألمسه متيقنةً منه اليوم هو أن جزءاً أساسياً من الوضع في لبنان مرتبط بالوضعين الإقليمي والدولي، وقد سمعنا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي حين قال: سأهزم الأميركيين على أرض لبنان، وهذا برهان على التورط الايراني، وعلى ضرورة أن يهب المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، ولحماية الشرعية في وجه التعطيل والارهاب. وهناك طبعاً مشاكل مرتبطة بالمشروع السوري-الايراني على الأرض اللبنانية، تغذي بكل أنواع السلاح والمال والأشخاص الذين يمرَّرون على المعابر غير الشرعية السورية طبعا، عكس القرار 1701 وعكس كل القرارات الدولية والطموحات السيادية لدولة تحترم نفسها. وما يحصل يشكل خطراً على بقية العالم العربي وعلى لبنان الحرّ السيد المستقل الديموقراطي ومن مصلحة المجتمع الدولي الذي التزم الى جانب لبنان بكل هذه القرارات الدولية، أن يتحرك ويحمي الشرعية.
•
يعيش اللبنانيون قلق الاستحقاق الرئاسي، كيف ترين المشهد العام المقبل؟ ما نريده ونتشبث به هو أن يتم الاستحقاق في موعده. نريد، وبكل وضوح أن نؤكد للنظام السوري الذي يأمل أن يعيد الى سدة الرئاسة، مثلما اعتاد، شخصا مرتبطا به، اننا نحن من الآن وصاعدا من يختار الرئيس ولا أحد غيرنا. اللبنانيون المتشبثون بالسيادة والحرية والاستقلال سيختارون رئيس جمهوريتهم الجديد. وأعتقد أنّ الضمير العالمي لن يتخلّى عنا، فلا أحد يتحمل أن يرى استشهاد خمسة نواب وثلاثة رفاق من فريق واحد ورئيس مجلس وزراء، وثلاث محاولات اغتيال. والأفظع اليوم أن هناك أربعين نائبا في سجن فينيسيا تحت حراسة مشددة خوفا من الاغتيالات. وهناك كذلك رئيس مجلس نواب يتصرف كأنه رئيس النواب لا رئيس المجلس النيابي، واعتقد أنه من نوادر العالم، لئلا أقول انه المكان الأوحد في كل العالم، الذي يقفل فيه مجلس النواب سنة ونصفا. وأصبح بالتالي على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في القرارات التي صوّت لها في مجلس الأمن ومسؤولية حماية ارادة الأكثرية المنتخبة ديموقراطياً بكل جرأة ومسؤولية.
•
لا نلمس نتيجة للمبادرات، فهل التوافق ما زال ممكنا في ربع الساعة الأخير؟ أؤكد دعمي للوفاق على الا يعني ذلك اعطاء النظام السوري حصة في الرئيس الجديد او الاتيان برئيس جمهورية «يبهدل» مقام الرئاسة. الوفاق يعني الاتيان برئيس جمهورية سيادي استقلالي، رئيس جمهورية له شرعية مسيحية وقادر على الانفتاح على الجميع وتلبية المطالب التي نزلت قوى «8 آذار» من اجلها الى الشارع، حكومة وحدة وطنية وقانون انتخاب جديد. تصرُّف الأقلية يؤشر الى انهم «يتلطون» وراء كلمة الوفاق للانقلاب على الأكثرية او الوصول الى الفراغ. خيارنا الوفاق أما اذا اصرت الأقلية على التعطيل والفراغ فإننا سننتخب رئيس جمهورية قبل 24 نوفمبر بالنصف زائدا واحدا.
•
«حزب الله» يحدد الرئيس التوافقي في من يضمن سلاحه والمقاومة. ماذا تقولين؟ لا يمكن أن يأتي رئيس جمهورية الى سدة الرئاسة غير مقتنع بالمسلمات اللبنانية ولا يؤمن بتطبيق القرارات الدولية. وأعتقد، في ما يختص بسلاح حزب الله، أنه من الطبيعي أن أي رئيس دولة يريد فعلا السيادة لن يقبل إلا بحصر قرار السلم والحرب والسلاح في الدولة اللبنانية وحدها، آخذين في عين الاعتبار خيارات حزب الله ضمن استراتيجية دفاعية تحت سقف الشرعية.
•
العماد ميشال عون يطرح نفسه كمرشح توافقي... ماذا تعتقدين؟ لا يمكننا أن ننسى أن التيار الوطني الحرّ كان شريكنا في ثورة الأرز، وشباب التيار عانوا كثيرا أثناء وجود العماد عون في المنفى، ونؤكد أنه في لقاءاتنا في قرنة شهوان لم يخل أي بيان من مطالبتنا بعودته من منفاه. خلافنا مع عون سياسي لا سيادي، أما مع حزب الله فخلافنا سيادي. وطبعاً نشجع ما حصل من لقاء بين العماد عون ورئيس تيار المستقبل، كما نشجع لقاءه مع الدكتور سمير جعجع، ولا بدّ أن نلتقي جميعنا يوماً ما، لكن هذا لا يعني أنّه مرشح توافقي.
•
البعض يقول إنّ أي رئيس سيأتي في هذه الظروف، وتحديداً بالنصف زائداً واحداً سيلاقي مصير الرئيس الشهيد رينيه معوض. نُصّب زوجي رينيه رئيساً بالإجماع، ولكنّ ذلك لم يمنع اغتياله. على الرئيس الجديد اتخاذ احتياطات أمنية واسعة، وأخذ عبرة ممّا حصل مع الرئيس معوض الذي كان مستعجلا على تحقيق المصالحة الوطنية وتحقيق لقاء كل الفرقاء السياسيين على الأرض، وهذا ما جعله يشارك في يوم العيد الوطني ومن سوء حظه يستشهد.
•
من هو المرشح التوافقي أو مرشح نايلة معوض؟ نحن في نظام ديموقراطي، وحين أسمع أن الديموقراطية التوافقية هي أن نكون متوافقين أضحك. فالولد الصغير يتعلم أن الديموقراطية التوافقية معناها نظام ديموقراطي، فبدل حكم الأكثرية العددية يكون توافق بين الأقليات على قيّم مشتركة، نتمنى أن تكون قيم الديموقراطية، فإن اتفقنا على كل شيء نكون «توتاليتاريين». فليمتحن كلّ المرشحين حظوظهم في مجلس النواب. وليترشح من يشاء ويصل من ينجح، لكن لا يجوز أن تنقلب الأقلية عليك وتصبح هي من يفرض رئيس جمهورية بالقوة.
•
كنتِ أول من ترشح عام 2004 واسمك اليوم مطروح في بورصة الأسماء الى سدة رئاسة الجمهورية، فلماذا لم تترشحي رسمياً؟ وجودي في هذه الحكومة بالذات جعلني آخذ مواقف نابعة من القيم التي أحملها. ليس استحقاق اليوم سبقاً رئاسياً. لأول مرة في تاريخ لبنان نجحنا في تشكيل فريق عمل متكاتف الاداء. أنا ممّن أخذ، لا بل صنع قرار أن يكون الشيخ بطرس حرب والأستاذ نسيب لحود المرشحَين عن قوى الرابع عشر من آذار ووصول أي منهما يحقق طموحاتي السيادية الاستقلالية، ويجعلني أشعر بأمان وأن دم رينيه معوض والشهداء كلهم لم يذهب سدى.
•
ما الآلية التي حددتموها للانتخاب بالنصف زائدا واحدا؟ خيارنا الأساسي هو الوصول الى توافق واسع بشأن الرئيس؛ أما اذا اصرت الاقلية على التعطيل، فلن نسمح بالفراغ. نحن حدّدنا الزميلين حرب ولحود كمرشحين طبيعيين في المرحلة الأولى، وكان لي شرف المشاركة في القرار هذا، ونحن متفقون على التوافق على اسم واحد يوم الانتخاب، بمعنى أن يتنازل أحدهما للآخر.
•
من سيتنازل؟ النائب بطرس حرب أعلن انه لن يترشح في حال الانتخاب بالنصف زائدا واحدا.
•
هل بات الانتخاب بالنصف زائدا واحدا أكيدا؟ نحن مع الوفاق ونؤمن بمؤسسات الدولة وطبيعة لبنان التوافقية لكن، إذا لم يحصل توافق لا سمح الله، ولم يعد أمامنا إلا الفراغ فسننتخب بالنصف زائدا واحدا. خيارنا أن يمارس كلّ نائب واجبه وينزل الى جلسة الاستحقاق وواجب النواب ألا يخضعوا للترهيب، وكلّنا نعرف أن النظام السوري لا يريد هذا الاستحقاق ويريد الفراغ.
•
أعلن عدد من نواب الأكثرية عدم مشاركته في جلسة النصف زائدا واحدا. فما تعليقك؟ أعرب بعض نوابنا عن عدم رغبته في اللجوء الى الأكثرية المطلقة، لكن أمام الفراغ الدستوري، وهو أخطر ما قد يحدث للبنان، سيأخذ هؤلاء القرار الصائب.
•
هل تراهنون على انضمام نواب مسيحيين من المعارضة؟ ليست قصة معارضة. فالمسألة ليست دورة عادية أو لقاء عاديا، ثمة موقف واضح من بكركي ومن الفاتيكان. ممنوع ألا يقوم النائب بواجباته الدستورية، حتى أنّ البند 61 من النظام الداخلي يمنع تغيّب النائب أكثر من مرتين من دون عذر شرعي. وكرّر الفاتيكان وبكركي مراراً أن موقع رئيس الجمهورية في لبنان هو الأول للشراكة المسيحية ضمن الشراكة الوطنية، وهو المركز الوحيد الذي تتمثل فيه الطوائف المسيحية كلّها، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربي بأسره، ولا يستطيع أي نائب، وبنوع خاص النائب المسيحي، أن يحرم مسيحيي لبنان والشرق من هذا الموقع الذي عانى الأمرين خلال الهيمنة السورية وفُرغ من معناه. لذا على النواب المسيحيين تحملّ مسؤولياتهم أمام المجتمع اللبناني والعربي والدولي.
•
كيف قرأت بيان المطارنة الموارنة الأخيرة؟ يجب قراءة هذا البيان كجزءٍ من سلسلة البيانات السابقة وخصوصاً النداء السنوي الأخير الصادر في سبتمبر والذي كان بالغ الوضوح. لا شكّ أنّ البطريرك والمطارنة عموماً قلقون حيال واقع انقسام المسيحيين، وتدني مستوى الخطاب السياسي لدى بعض الزعماء المسيحيين.
•
كنتم تنتظرون أن يأتي هذا البيان بمستوى الفصل السابع؟ كنا نتمنى ذلك لكن لا بدّ من أن نضع أنفسنا مكان الكنيسة التي تخاف حصول مزيد من الانشقاق بين المسيحيين بنوع خاص ونحن نحترم ارادة بكركي.
•
هل يشكل الاستحقاق المقبل برأيك معبراً أساسيا نحو استكمال انتفاضة الاستقلال التي تعتبرون انها تعطّلت ببقاء اميل لحود في بعبدا؟ بصراحة تأخرنا يوما واحدا عن استكمال هذه الثورة يومها، وكان علينا أن نتابع نحو بعبدا. أخذت دهشة الرابع عشر من آذار منا كل مأخذ وهو يوم عظيم في تاريخ لبنان والعالم العربي على السواء، نزل فيه أكثر من ثلث الشعب اللبناني الى الشارع ومضت التظاهرة من دون ضربة كف. نحن مؤتمنون على اتمام هذه الثورة.
•
ألا تعتقدين أن رئيساً لا لون له ولا رائحة، تتوافقون عليه، سيقضي على ما تبقى من هذه الثورة؟ هذا الاستحقاق مرتبط بشخصية الرئيس، وعدم وجود الشخصية التي نريدها في سدة الرئاسة سيشكل دعامة قوية للإبقاء على لبنان ساحة مفتوحة للمحور السوري-الايراني، وإذا -لا سمح الله ألف مرة- ربحوا هذه المرحلة فسيكون وضع كل الأنظمة العربية والدول العربية مهددا.
•
هل أنت خائفة مما ينتظرنا في الأيام المقبلة؟ إذا استخففنا بهذه المرحلة نكون غير واقعيين. من لا يشعر بقلق وخوف في ظروفنا فليس بإنسان ناضج، ولكن لا يجب أن نترك الخوف يتغلب على عزيمتنا وصمودنا، وعلى سعينا إلى المضي قدماً نحو الحرية والسيادة والاستقلال وهي المسيرة التي بدأت بقرنة شهوان.
•
متى يزول الخطر عن قادة 14 آذار؟ تحتاج المعركة الى مزيد من الوقت والصمود. وأعرف أن اللبنانيين تعبوا ونحن تعبنا، لكن الجميع يعرف أن هذا الاستحقاق محطة أساسية وعدم حصوله، أو الإتيان برئيس «مساومة، سيكون ضربة كبيرة لثورة الأرز».