Ad

لا خوف من رياح «العولمة» إذا عززنا مفهوم «المواطنة» الخليجية في إجراءات علمية يلمسها المواطن الخليجي عبر تفعيل «المبادرات» المقترحة وفي تصوري أن أهمها: تفعيل طاقات نصف المجتمع الخليجي المعطل ودمجه بكثافة في التنمية وأيضا: منح الخليجية نقل جنسيتها لزوجها «غير الخليجي».

هناك فزعة خلجيية على «الهوية الوطنية» في معظم الدول الخليجية، ممثلة بخلل في «التركيبة السكانية»، حيث يشكل الخليجيون أقلية وسط محيط من الوافدين يشكلون 200 جنسية لهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وأديانهم ومذاهبهم، تعيش في الخليج وتنتمي إلى 150 قومية وتتحدث 100 لهجة.

يتنامى خوف الخليجيين على هويتهم ولغتهم ودينهم وثقافتهم كلما زاد اندماجهم وانفتاحهم في عالم اليوم، عالم لا يعرف الحواجز القومية والدينية واللغوية والاقتصادية فيما سمي بـ«العولمة» وهو شديد التغير.

كنت في «الإمارات» ووجدت القوم في شغل شاغل بموضوع «الهوية»، حيث عقد على مدى أيام «ملتقى الهوية الوطنية» وتحدث فيه كبار المسؤولين التنفيذيين والنخبة من المثقفين معبرين عن قلقهم ومخاوفهم ومشخصين القضية ومقترحين سبل المواجهة اللازمة. كان اللافت بين الكلمات التي طرحت في الملتقى تلك الكلمة المجسّدة للفزع في أقصى مداه ألقاها أكبر مسؤول أمني، إذ قال الفريق ضاحي خلفان تميم، القائد العام لشرطة دبي، بعد أن عرض مشاهد مصورة للأحداث التخريبية التي قامت بها مجموعات من العمالة الوافدة في الإمارات أخيراً.

«بعد 70 عاما، سنكون في خير وبركة إذا تمكن أبناء أولياء عهود الإمارات الحالية من الحفاظ على الحكم في إماراتهم» وتساءل: «بما أن -أوباما- ينافس على الرئاسة الأميركية وهو من أصل كيني، فمن يضمن ألا يأتي -كوتي- (اسم آسيوي) لينافس على الرئاسة في الإمارات».

وفي مقابل هذا الاتجاه المتشائم جاءت كلمة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، التي كانت واثقة ومطمئنة ومؤكدة على عدم التساهل إزاء كل ما من شأنه المساس بمصالح وحقوق بلاده الوطنية، «في الوقت الذي نؤكد فيه نهج التسامح والانفتاح» موضحا «من هنا جاء تمسكنا بحقنا في جزرنا الثلاث المحتلة كإحدى أولويات سياستنا الخارجية، وهو أيضا تمسك بالشرعية والقانون الدولي»، وفيما طمأن الحضور بقوله «إننا نضع الآن موضوع العمالة في موقع متقدم في أولويات سياستنا الخارجية وفي علاقتنا مع الدول المعنية» أكد نهج الإمارات الانفتاحي بقوله «لا نريد أن نعيش في جزيرة منعزلة».

دولة الإمارات استجابت لتحديات خلل التركيبة السكانية واتخذت عدة إجراءات عملية منها تشكيل «لجنة التركيبة السكانية» منذ سبتمبر 2007 وهي لجنة تضم كبار المسؤولين في الدولة، وقد توصلت إلى 66 مبادرة، من شأن تفعيلها، تبديد كثير من المخاوف المثارة حالياً حول «الهوية» و«التركيبة» ويأتي في هذا السياق تصريح الشيخ محمد بن راشد عندما قال: «إن مسألة التركيبة السكانية تتصدر أولويات حكومته وإن على الجميع التعامل معها بجدية ومسؤولية قصوى» موضحاً «أن مستقبلنا وهويتنا الوطنية مرتبطة ارتباطاً جذرياً ومصيرياً مع هذه القضية».

ومن المهم أن نذكر هنا أن هذه الجهود المتعدّدة التي تشهدها الساحة الإماراتية تأتي في سياق إعلان الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بأن يكون العام 2008 عاماً للهوية الوطنية وتشكيل « هيئة وطنية دائمة» لمتابعة ملف التركيبة السكانية.

«الخوف على الهوية» هم خليجي مشترك، له مسوغاته ومبرراته، وكل دولة خليجية تعبر عن تلك المخاوف مختلفة، لقد كنت في «الكويت» ووجدت القوم منشغلين بجدل ساخن وصاخب حول «الوحدة الوطنية» وهو جدل يهيمن على المناخ السياسي العام بسبب تداعيات وتوابع قضية «تأبين مغنية» وتأثيرها في مكونات المجتمع الكويتي وخوف الكويتيين من ميول وتوجهات البعض وارتباطاته بإيران و«حزب الله» على الوحدة الوطنية والانتماء الوطني... هناك خوف على الهوية وعلى الوحدة الوطنية وعلى اللغة العربية بالذات، وطبقا للكاتب الإماراتي «محمد الحمادي» في الاتحاد «أصبح المواطن يخاف على لغتة العربية التي بدأت تختفي بشكل ملفت، ليس في الشارع والأماكن العامة والشركات، بل حتى في المؤسسات الحكومية وبيوت المواطنين والعرب المقيمين» وهناك البعض المتخوف والمحذر من سياسة «بناء الأبراج العالية» المنتشرة في الخليج، بسبب أنها تستقطب المزيد من العمالة الوافدة الرخيصة بما تحملها من أخطار اجتماعية واقتصادية وضغط على الخدمات الصحية العامة، وبما يترتب عليها من البطالة بين الشباب المواطن الذي يحمل مؤهلا جامعيا لكنه يفتقر إلى التدريب المهني الجيد، طبقا لـ«د. البغدادي»، ويستطرد الكاتب الإماراتي «عبدالله رشيد» في قوله: «إذا استمرت أبواب الحصول على شتى أنواع التأشيرات مفتوحة على مصراعيها كما هي الحال اليوم، وإذا استمر مئات الآلاف من العمال القادمين بتأشيرات جماعية داخل البلاد عقب الانتهاء من المشاريع العمرانية العملاقة... ولو استمر الخلل في التركيبة على وتيرته الحالية فإن المواطنين في الإمارات لن يشكلوا أكثر من %2 من السكان في العام 2025».

ومن هنا طالب بعضهم بوضع سقف محدد للجاليات بما لا يزيد على %25 من عدد المواطنين وتشجيع سياسة الإنجاب طبقا لتحذير «ضاحي خلفان» من «قلة في الإنجاب وتكاثر في الشواب وعمالة تخدم الأرباب» المقولة التي أضاف إليها الكاتب الإماراتي ناصر الظاهري و«شكوى الزوجات الدائم من العذاب» مقترحا حلا شعبيا طريفا لمعالجة الخلل السكاني، ملخصه: «أن كل رجل يثبت بتقارير صحية عطب زوجته الأولى وبلوغها مرحلة -التكهين- ويجد في نفسه الكفاءة والمقدرة وتقديس الحياة الزوجية، فإن الجهات الحكومية ستقوم بتأمين بيت للسكن جديد له ولزوجته الثانية وتتكفل بأمور زواجه ومصاريفه، بهدف في زيادة النسل وتقليل العنوسة وإصلاح الخلل».

هذه السيناريوهات التشاؤمية تترجم أبرز مخاوف أصحابها تجاه المخاطر المحيطة بالهوية الخليجية، لكن ليسمح لي هؤلاء بألا أشاطرهم تلك المخاوف ولا أتفق معهم في تضخيم المخاطر وفي نظرتهم التشاؤمية لمستقبل الخليج السكاني والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وذلك انطلاقا من اعتبارات عديدة من أهمها: أن «الهوية» الدينية والوطنية والثقافية مثل «البصمة» الوراثية لا يمكن ذوبانها، سواء على مستوى الأفراد أو الشعوب، لمجرد كوننا -أقلية- وسط «أكثرية» وافدة، أو لاستقدام عمالة وافدة مرتبط وجودها بالمشاريع العمرانية، أو لأنها قامت بأعمال تخريبية. كما لا يمكن بناء تصورات مستقبلية موضوعية على هذه الحوادث التي تحصل في كل مكان. ستظل «الهوية» الخلجية راسخة، وهي أقوى مما يتصورها البعض، فقد واجهت تحديات أعظم في فترة المد الناصري والزحف القومي والغزو البعثي المغامر واليساري الثوري وخرجت أقوى، كما واجهت «الهوية» الخليجية شعارات -الإسلام السياسي- المخادعة وطروحات «القاعدة» العدمية، ومع ذلك انظر اليوم إلى «المشهد الخليجي» مقارنة بـ«المشهد العربي» تجد «الخليج» هو «الجزء الصحي في الجسد العربي العليل»، «الخليج» اليوم حلم كل مواطن عربي في المعيشة الكريمة الآمنة ولأسرته من الخوف والجوع.

لاخوف على الهوية، فالخليجيون متمسكون بثوابتهم الدينية بشكل أقوى، ولا خوف على اللغة، فهي اليوم أكثر انتشارا وتمكينا، منذ عقدين كان التخويف من خطر المربيات الأجنبيات على أطفالنا في لغتهم ودينهم، وأثبتت الأيام أنه من قبيل المبالغة، فبعض المربيات أسلمن وتكلمن لغتنا!

إن عقلية «راعي الغنم» لا تفيد الخليج اليوم، فالخليج بالعولمة أعظم قوة، وحياته أفضل، ولم يفقد هويته بل زاد تمسكا بها. «أميركا» هيمنت على العالم بثقافتها، و«الثقافة الأميركية» ما هي إلا مزيج من ثقافات عديدة اندمجت وانصهرت وتطورت وشكلت هذه الثقافة القوية التي غزت العالم! لنقل إن هناك «تحديات» تواجه «الهوية» لكن لا «مخاطر» حتى لا نخلق «بيئة» اجتماعية مناهضة للأجانب وطاردة للاستثمار.

ما ينعم به الخليج هو الجانب المشرق لمعادلة «الانفتاح» وهي معادلة لها جانبها الآخر الذي له «ضريبته» والذي يتطلب التعامل معه بكل ثقة في أنفسنا وديننا وثقافتنا. لا خوف من رياح «العولمة» إذا عززنا مفهوم «المواطنة» الخليجية في إجراءات علمية يلمسها المواطن الخليجي عبر تفعيل «المبادرات» المقترحة وفي تصوري أن أهمها: تفعيل طاقات نصف المجتمع الخليجي المعطل ودمجه بكثافة في التنمية وأيضا: منح الخليجية نقل جنسيتها لزوجها «غير الخليجي» وأولادها تماما كالمواطن.

* كاتب قطري