صديقي وأملاك الدولة
حتى تتم إزالة مخالفات الاعتداء على أملاك الدولة المستباحة في كل مكان، فإنني أجد نفسي خاسراً وبجدارة «معركتي» مع صديقي الذي ظللت لسنوات طويلة أكرر على مسامعه ضرورة احترام القانون وعدم التعدي على أملاك الدولة.
منذ ما يزيد على عشر سنوات قام صديقي بعمل حديقة صغيرة لا تتعدى خمسة أمتار مربعة في الساحة المقابلة لمنزله رغم أنه يفصل بينهما شارع فرعي، ووضع بداخلها ثلاثة كراسٍ من حديد مستطيلة يستقبل عليها بعض أصدقائه في المساء. وكنت وقتها ألومه لأنه بهذا الفعل قد ارتكب مخالفة قانونية بالتعدي على أملاك الدولة. ومضت الأيام والشهور ولم تطلب منه أي جهة حكومية إزالتها، لذلك تشجع صديقي ووسع الحديقة لتصبح اثني عشر متراً مربعا ، ثم أخذ ينتظر خوفاً أن تقوم البلدية هذه المرة بإزالتها.. ولكنها لم تفعل! مما دفع بصديقي لعمل توسعة للحديقة لتصبح بحدود عشرين متراً مربعاً ، أقام بداخلها ديوانية كبيرة، وزرع نخيلاً وأشجاراً صغيرة ووروداً مختلفة ، وأوصل إليها التيار الكهربائي، ثم قام بتسويرها وجعل لها باباً حديدياً ضخماً. وكان يفكر بوضع «ديارف» للأولاد في أحد أركان الحديقة ولكنه كان يخشى أن ذلك سيلفت نظر البلدية وتطالبه بإزالة الحديقة، لذلك فضل الانتظار ليرى ماذا سيحصل؟بعد فترة قصيرة، ولأن الجهات الحكومية المسؤولة لم تحرك ساكناً، نفذ صديقي ما كان ينوي القيام به فزاد من مساحة الحديقة لتصبح خمسة وعشرين متراً مربعاً ، وجلب عدداً من الأرانب ووضع «الديارف» ولوازمها، وبهذا اكتمل «المجمع» المحتوي على ديوانية «معتبرة» ومكان مخصص للعب الأولاد و«بيوت» للأرانب!! لكن الأمر لم ينته هنا، فالحديقة وما تحتويه من مواد بحاجة إلى حارس حتى لا تتعرض للسرقة، ومفروض ألا يكون الحارس بعيداً عنها بل لابد أن يتواجد بداخلها، مما حدا بصديقي أن يبني غرفة للحارس داخل هذه الحديقة وأيضاً مطبخاً صغيراً لاستخدام الحارس ولتحضير ما قد يحتاجه رواد الديوانية من شاي وقهوة وخلافه.ثم بعد فترة قام صديقي بتسكين سائقه الخاص مع حارس الحديقة، وبهذا استطاع أن يؤجر جزءاً من منزله «الملحق»، الذي كان ينوي في السابق تخصيصه لسكنهما.وثمة طرافة هنا، فالظريف في الأمر أن بعض العمال الأجانب غير المهرة الذين يجوبون الشوارع بحثاً عن عمل يدوي بسيط قد سبق أن عرضوا على صديقي أن يؤجر لهم غرفة في الحديقة، وقد نصحت صديقي في حينه ألا يفعل ذلك كون ذلك يمثل مخالفة صارخة هذه المرة تضاف إلى مخالفاته السابقة، ولكنه استهزأ من تكرار حديثي عن القانون وضرورة احترامه، فهو كما يقول محام وأقدر مني بمعرفة القوانين وكيفية احترامها ويعرف بحكم طبيعة عمله مدى جدية الحكومة في تطبيق القوانين. فهذه الشاليهات، كما يقول صديقي، حولت شاطئ البحر من مكان عام إلى مكان خاص ومجمعات ومنتجعات استثمارية خاصة تدر الملايين على مَن حصلوا عليها بوضع اليد، وقد منع الناس من ارتياد البحر الذي يمثل ملكية عامة. وهذه الشويخ الصناعية أيضاً التي تحولت، بالمخالفة لقانون إنشائها، من قسائم حرفية إلى مجمعات وأسواق تجارية تدر المليارات على ملاكها مقابل مبلغ زهيد جداً يدفع للدولة!! وهذه الجواخير والإسطبلات والمزارع الخاصة فيها الكثير من المخالفات والتعديات على أملاك الدولة، ولكن، يضيف صديقي، رغم ذلك، واحتراما لصداقتنا، فإنه سيلتزم برأييّ هذه المرة ولن يؤجر غرفة للعمال في الحديقة!!وتمضي الأيام وتأخذنا مشاغل الحياة، ثم أعود قبل نحو شهر لزيارة صديقي وإذا بي أجد ما كان، في ذلك الوقت، عبارة عن حديقة صغيرة قد تحول إلى «مجمع» سكني مكون من ديوانية كبيرة من الطابوق الأسمنتي الفاخر وثلاث غرف وملعب للأطفال وشلالات وممرات مائية ومواقف للسيارات، وقد سألت صديقي إن كان قد التزم بما وعدني به بعدم تأجير غرفة للعمال ولكنه لم يجبني، بل اكتفى بالابتسام.الآن وبعد قرار الحكومة الأخير القاضي بتأجيل إزالة التعديات على أملاك الدولة، وحتى تتم إزالة مخالفات الشويخ الصناعية والشاليهات والفحيحيل الصناعية وامغرة والجهراء الصناعية و الجواخير والإسطبلات والمزارع الخاصة ومخالفات السكن الخاص المسماة «الدواوين»، والمحافظة على أملاك الدولة المستباحة في كل مكان، فانني أجد نفسي خاسراً وبجدارة «معركتي» مع صديقي الذي ظللت لسنوات طويلة أكرر على مسامعه ضرورة احترام القانون وعدم التعدي على أملاك الدولة.