محمد عبد القادر الجاسم؛ بطل حين قال... أسطورة إن هو سكت!

نشر في 12-02-2008
آخر تحديث 12-02-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

لست أظن أن إحالة الجاسم إلى النيابة الآن، وبعد هذا الكم الهائل من مقالاته التي تجاوزت كل المعروف والمألوف عندنا عن حدود الحرية الصحافية، يراد منه قمع الحرية وخفض سقف الخطاب السياسي الإعلامي، لأنه إن كان هذا حقاً فالقوم لا يدركون ما يفعلون.

قصة إحالة الكاتب محمد عبد القادر الجاسم إلى النيابة على خلفية مقاله (قد بلغ اليأس مداه)، غريبة بعض الشيء، وكل محاولات التفسير التي تابعتها عجزت في نظري حتى الآن عن وضع إصبعها على حقيقة ما يحصل.

من الإنصاف في البدء، وبصرف النظر عن صفحات التاريخ الفكري للرجل التي تأبى إلا أن تتداعى في كل حديث حوله وحول كتاباته في موقعه (ميزان)، أن نقول إن محمد الجاسم في عهده الجديد، في مرحلة ما بعد تركه لرئاسة تحرير جريدة «الوطن»، قد ساهم وبشكل كبير في رفع سقف الخطاب السياسي الإعلامي من خلال كتاباته في ميزان. بل لا أكون مبالغاً حين أقول إن ميزان، وبالإضافة إلى المعلومات المثيرة الفريدة التي دأب على الإتيان بها عما يجري في أروقه بيت الحكم وفي اجتماعات الأسرة، والتي جعلت بعضهم يطلق تساؤلات، من أين للرجل بكل هذا؟، قد صار بالفعل ميزاناً يعرف منه الكتّاب مقدار حرية التعبير السياسي التي صار من الممكن أن يهضمها النظام، والارتفاع الجديد لسقف الكتابة الذي صار من الممكن أن تتطاول إليه قاماتهم!

كثير من الناس، وبعدما يفرغون من قراءة مقال جديد في ميزان، وبعدما تتعلق حواجبهم في أعالي جماجمهم دهشة لجرأة كاتبها، وبسبب صعوبة تجرعهم لفكرة أن الحرية الصحافية قد بلغت عندنا هذا الحد فعلاً، تراهم يقولون على الفور إن الجاسم ما كان ليكتب بهذه الصراحة لولا أن عنده ضوءاً أخضر من الأعلى. لا أظن ذلك، وأعتقد أن قصارى الأمر أنه، ولكونه رجل قانون، يكتب مستنداً إلى معرفته القانونية العميقة بما يجوز وما لا يجوز الخوض فيه وكذلك إلى خبرته الصحافية الطويلة.

مقال (قد بلغ اليأس مداه) الذي يقال إنه قد قاده إلى النيابة، ليس أشد مقالاته جرأة، ولا أكثرها صراحة، بل ما هو إلا خرزة أخرى في مسبحة طويلة من الخرزات المثيرة التي كان «يشكها» الجاسم في موقعه، لذلك فالقول إنه قد تجاوز في هذا المقال بالذات خطاً أحمر ما كان له أن يتجاوزه، هو قول يحتاج إعادة نظر، وكذلك القول إن المسألة هي احتقان متراكم، وصل إلى الانفجار وكان هذا المقال ذريعة، غير صحيح كذلك، فما قيمة هذا الانفجار (من بعد خراب البصرة)، وبعدما انتثرت خرزات المسبحة في الزوايا كلها؟!

لست أظن أيضاً أن إحالة الجاسم إلى النيابة الآن، وبعد هذا الكم الهائل من مقالاته التي تجاوزت كل المعروف والمألوف عندنا عن حدود الحرية الصحافية، يراد منه قمع الحرية وخفض سقف الخطاب السياسي الإعلامي، لأنه إن كان هذا حقاً فالقوم لا يدركون ما يفعلون.

أقول هذا لأنه مخطئ من يظن أنه بإسكات الجاسم سيستطيع إلغاء تأثير ما كتبه خلال الفترة الماضية وتخويف الكتّاب الآخرين ممَن سولت لهم أنفسهم السير على نهجه، فلو كان كل مقال كتبه الجاسم في ميزانه بمنزلة كرة ثلج اندفعت حينها لتتدحرج في الديوانيات والمنتديات والمدونات، وتستقطب عشرات الردود والنقاشات، فقد صار اليوم عندنا عشرات الموازين التي أضحت تطلق كرات الثلج وتصيح بأعلى صوتها ليلاً نهاراً، بأنه (قد بلغ اليأس مداه) وصار الوضع فوق كل احتمال.

في قناعتي أن ما حصل للجاسم ليس إلا حلقة جديدة من حلقات تخبط النظام ودليلاً ناصعاً آخر على انفلات الأمور من يده، فأبسط البسطاء يدرك أن إحالة الجاسم إلى النيابة بهدف إخراسه، بعدما كتب كل ما كتب، لن تفيد بشيء، بل ستزيد الطين بلة، فالجاسم وميزانه قد تحولا اليوم من مجرد كاتب وموقع على شبكة الإنترنت إلى لسان حال أمة تتردد مقولاته وتشابهها مقولات مئات من الآخرين في ثنايا الإنترنت، وإن كانت كتابات الجاسم قد جعلت منه بطلاً خلال الفترة الماضية، فإنهم بإسكاته أو حتى بمحاولتهم ذلك اليوم سيجعلون منه أسطورة!

back to top