هل يصمد وزير الإعلام؟!
توقيت إعادة التعيين في المكاتب الإعلامية هي القشة، التي قصمت ظهر البعير، واستعجلت قرار إغلاقها. وهنا أتمنى أن يفصح وزير الإعلام عن حجم الضغوطات والواسطات، التي انهالت عليه خلال الشهر الماضي لشغل مختلف المواقع في هذه المكاتب، وعددها ومؤهلات وتخصصات الساعين إليها بمختلف الطرق.
الزوبعة السياسية المتصاعدة على خلفية قرار إغلاق المكاتب الإعلامية في الخارج، نتيجة طبيعية للتقاطعات العجيبة والغريبة، التي تعصف دائماً بمسار اتخاذ السياسات العامة، وتربك آلية صنع القرار في الكويت، وعلى الرغم من بعض التحفظات الرئيسية على أصل فكرة إلغاء دور المكاتب الإعلامية في الخارج، فإن القرار المتخذ في هذا الخصوص يعد من الحالات النادرة، التي تمت وفق إجراءات مؤسسية وخطوات متسلسلة بدأت بتشكيل لجنة تقييم عرضت توصياتها على وزير الإعلام، الذي رفع الأمر إلى مجلس الوزراء الذي كانت له كلمة الفصل. وبالتالي، فإن الهجوم الذي يتعرض له السيد الوزير لا شأن له بقرار إغلاق المكاتب الإعلامية، وإنما على الإرث الكبير، الذي قد يخلفه من ضياع لمراكز وظيفية ومزاياها وسد بؤر التنفيع التي استرزق من ورائها بعضهم على مدى سنوات طويلة. ولا نشكك لحظة في أن الإعلام هو عصب الأمم والمجتمعات، بل ويتعاظم دوره وقوته وأهميته كأحد أهم أدوات التأثير في بعده الخارجي، خصوصاً في عهد الانفجار المعلوماتي والعولمة المتنامية، ولا نشكك أيضاً في الكثير من الطاقات والكوادر الوطنية المخلصة والمتفانية في عملها في مكاتبنا الخارجية، لاسيما في أعقاب الغزو العراقي. ولكن ورغم ذلك تبقى هذه المكاتب بحاجة ماسة إلى تقييم شامل في إطار السياسة الإعلامية، بل والسياسة العامة للدولة ككل، فالشارع العربي خلال العقدين الماضيين أصبح أكثر كرهاً للكويت والكويتيين حتى أننا خسرنا الكثير من أصدقاء الأمس، وكسبنا القليل من خصومه، وفي محيطنا الخليجي أيضاً فقدنا بريقنا التاريخي، وأضحينا عرضة للتندر والاستهزاء، أما عالمياً فلم يعد لنا صيت سوى الثروة والنفط مرة أخرى.إن السبب الأول والأهم في هذا الإخفاق يعود إلى انعدام العلاقة بين الخطاب السياسي والخطاب الإعلامي. ومن الطبيعي أن ينعكس ضعف إعلامنا الخارجي بالحالة الرتيبة التي يعانيها معظم مرافق الدولة وأجهزتها في ظل الفوضى، التي تمر بها السياسة العامة للدولة، وليس بغريب أن يتحول في هذا الجو العام الكثير من شبابنا في المكاتب الإعلامية، وكغيرهم من البعثات الكويتية في الخارج، إلى سواق ومرافقين لبعض الأسر والشخصيات المتنفذة الذين يتجولون عواصم العالم طوال أيام السنة على حساب وقت وجهد هؤلاء الشباب، فماذا ننتظر منهم في ظل غياب التوجيهات السياسية وإغراقهم في الواجبات الاجتماعية أن يقدموا للإعلام الكويتي في الخارج؟ والأكثر من ذلك ماذا يمكن أن نتوقع من هؤلاء الشباب وسياستنا الإعلامية توجه وبإعلانات مدفوعة الأجر لتشويه سمعة البلد والنيل من الدستور ومؤسساته؟ ويكون من الطبيعي عندئذ أن تتم الاختيارات لهذه المكاتب وفق مؤثرات النفوذ والواسطة ورد الجميل، ولا استبعد هنا أن يكون توقيت إعادة التعيين في المكاتب الإعلامية هي القشة التي قصمت ظهر البعير، واستعجلت قرار إغلاقها. وهنا أتمنى أن يفصح وزير الإعلام عن حجم الضغوطات والواسطات، التي انهالت عليه خلال الشهر الماضي لشغل مختلف المواقع في هذه المكاتب وعددها ومؤهلات وتخصصات الساعين لها بمختلف الطرق، وأتمنى أيضاً أن يصمد الوزير في قراره، ولكن بشرط إعادة دراسة وتنظيم دور المكاتب الإعلامية في ظل رسالتها الحقيقية، التي لا تقل عن دور الدبلوماسية الكويتية، بل يجب أن تواكبها وتغذيها وأن يربط إعادة فتح هذه المكاتب مع وضوح الرؤية في مجلس الوزراء بشأن السياسة العامة للدولة، وأن يبني جيلاً من الكفاءات الكويتية ومن أبناء وزارته حصراً يدرك معنى الإعلام الخارجي ويتشبع بثقافات الدول والمجتمعات التي نستهدفها إعلامياً من خلال تأهيل يليق بدور وتأثير الإعلام العالمي الحديث، ولكن أشك في ذلك، وأتوقع الرضوخ والتراجع أمام الضغوطات والتقاطعات المصلحية قريباً!!