جنينة الأسماك...خوف قلق وإحباط!

نشر في 04-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-04-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين «جنينة الأسماك» هو الفيلم الروائي الجديد للمخرج المتميز يسري نصرالله، الذي قدم سابقا أفلام «سرقات صيفية»، «مرسيدس»، «المدينة» و«باب الشمس» على التوالي، إلى جانب فيلمه التسجيلي الطويل «صبيان وبنات».

إنه أحد أنجب تلامذة مدرسة يوسف شاهين السينمائية ولا تتعارض «تلمذته» مع «تميزه» أبداً، فسينما يسري نصرالله هي نتاج التأثر الصحي الإيجابي، الذي لا يعني المحاكاة أو التقليد أبداً، بمصادر وعناصر ومؤثرات عدة من بينها خصوصيات سينما شاهين وخصائصها ومدرسة السينما الألمانية التعبيرية، فضلاً عن ثقافة نصرالله ورؤيته وظرفيته الطبقية وتمرده عليها على النحو الذي عرض له وعبر عنه برصانة وكثافة في أول أفلامه «سرقات صيفية» إذ احتوى على ملامح تجربة سيرة ذاتية تعد مبكرة في السينما المصرية، أعقبت تجربة السيرة الذاتية لشاهين.

كتب فيلم «جنينة الأسماك» مخرجه مع كاتب السيناريو ناصر عبدالرحمن، الذي سبق أن قدم من إخراج نصرالله «المدينة»، كذلك قدم في الموسم الفائت، من إخراج شاهين وخالد يوسف «هي فوضى»، ومن إخراج خالد يوسف «حين ميسرة» وكانا من أبرز أفلام العام.

يحتوي الفيلم على غرار أفلام يسري نصرالله السابقة، على أكثر من مستوى، يبدأ بالواقعي أو الاجتماعي والنفسي، وينتهي بالميتافيزيقي أو الفلسفي.

فعلى المستوى الأول، نحن أمام شخصيات رئيسة وغير رئيسة كثيرة، وفي مقدمها مذيعة برنامج بعنوان «أسرار الليل» هي ليلى بكر التي تؤدي شخصيتها هند صبري، وطبيب التخدير يوسف سليمان النادي الذي يجسده عمرو واكد.

ومن بين الشخصيات أسرة المذيعة الأم (منحة البطراوي) والشقيق، أما والد الطبيب (جميل راتب) فهو مريض في حالة دقيقة في المستشفى يرعاه الابن الطبيب وإن كنا نلاحظ نوعاً من «العلاقة المركبة» بينهما، كذلك نلحظ شيئاً من ذلك في علاقة المذيعة وأمها.

حينما ننفذ إلى مستوى أعمق، نلمس مشكلة عدم تفاعل، مشكلة غربة أو اغتراب، في مجتمع كل ما فيه سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، يؤدي إلى ذلك ويفرضه طوال الوقت!

لا تعيش شخصيات الفيلم كلها واقعها ومجتمعها، بل تشعر بخوف يصل إلى حد الذعر، إنه عصر الخوف والقلق والإحباط.

وليست مفردات مثل أنفلونزا الطيور، الإيدز، مع بروز اتجاهات الجمود السلفي الديني والسؤال نحن إلى أين؟ وغيرها، إلا مجرد إشارات تومئ إلى معنى أن ثمة أشياء تدعو حقاً إلى الخوف وتدعم الافتقاد إلى الأمن والتفاعل والتواصل.

ولا تستقل المذيعة التي تبلغ الثانية والثلاثين بحياتها، وتكتفي بأن تحتمي برجل بارز في الدولة لقاء لمسات على جسدها تمنحه إياها، في حين أن مخرج برنامجها باسم سمرة يحبها بشدة لكنها تصارحه بأن شعورها تجاهه لا يتعدى الأخوة، الأمر الذي يثير سخرية مريرة لديه وتكتفي هي بالتعامل معه عبر الزجاج خلال تنفيذ البرنامج.

إنه عدم التواصل وعدم الاكتفاء الحقيقي أو الارتواء، بل هي تبالغ في التبرج ليكون بمثابة قناع آخر، فالمسافة كبيرة بين الشخصيات والحياة الحقيقية.

وكما تستمع ليلى إلى مشكلات المستمعين المتصلين ببرنامجها واعترافاتهم، مكتفية بذلك كنوع من الإطلالة على الحياة وتأملها من بعيد من دون أن تعيشها، يحلو للطبيب الشاب يوسف الاستماع إلى اعترافات مرضاه وهم في حالة تخدير، ويلف ويدور حول جنينة الأسماك القريبة من منزله من دون أن يدخلها، إلا مرة واحدة، ويطل من بعيد على الشباب والفتيات فيها، فهو يشاهد الحياة ولا يعيشها ويفضل النوم في سيارته وليس في غرفته، فيفصله عن العالم زجاج السيارة، وكأن هذا الزجاج الذي يلف الجميع ويفصلهم عن كل شيء، خوفاً وتوجساً وقلقاً، هو زجاج أحواض السمك في جنينة الأسماك.

ويبرع الممثلون بحق، في تجسيد رؤية يسري نصرالله، ومعهم إلى جانب من ذكرنا سماح أنور ودرة وأحمد الفيشاوي، ويصل الفيلم إلى أعلى مستوياته في إنجاز ذلك التجسيد الإبداعي والجمالي من خلال التصوير لسمير بهزان، المونتاج لمنى ربيع، الديكور لعادل مغربي، الملابس لناهد نصرالله والموسيقى لتامر كروان. 

back to top