طاح مرزوق... طاح
من الملاحظ أن تجارب إخصاء الحياة الديموقراطية منذ 1966 وحتى ما بعد التحرير قد فشلت في تحقيق أهدافها حيث افتقرت إلى المنهجية، والرؤية المتماسكة فلم تكن إلا «فشة خلق»، ولم تعبر إلا عن حالة تململ انتهت إلى إعاقة وطن وربما إصابته بشلل نصفي.وحيث إننا لا نناقش النوايا، فالحكم عليها عند رب العالمين، فلنا أن نحكم على النتائج وهي «هادة للحيل»، قاصمة للظهر، وحيث إن الأمر هنا هو محاولة للفهم أكثر منها مسعى للإدانة، فمن المفيد أن تفهم لماذا يفشل مسعى العبث بالديموقراطية في تحقيق مبتغاه! أما ما هو مبتغاه ذاك فهو ما سنعرج عليه لاحقاً.
من المفيد إذاً أن نستعرض محطات رئيسية من ذلك العبث الذي لم «يورث» إلا رمادا، ونبدأ بحكاية حل المجلس البلدي التي أظن أنها كانت أبرز محاولة ظاهرة كمؤشر لبداية «حركة التصحيح» لما ظنه البعض خطأ تاريخياً، متمثلا في اصدار الدستور.والملاحظ هنا أن حادثة حل المجلس البلدي عام 1966 كبداية «للخروج من زمن البراءة» لا تجد من يوليها أهمية تذكر في السياق السياسي الكويتي، ويتم التركيز على تزوير انتخابات مجلس الأمة عام 1967.فبعد مد وجزر وبعد انتخاب مجلس الأمة عام 1963، تلاه في الترتيب عودة المجلس البلدي منتخباً عام 1964، كان ذلك المؤشر واضحاً على تماسك الديموقراطية، فهي كل لا يتجزأ. وكان أن ترأس المجلس البلدي محمد العدساني، الذي أدى دورا وطنيا رائدا، وسعى إلى إصلاح الإعوجاج المزمن، وكان تركيزه المستحق على سياسة التثمين، ولم يأت ذلك التركيز من فراغ بل كان استناداً على تقريرين للبنك الدولي، أوصى فيهما بإلغاء أو تخفيض المبالغ المرصودة للتثمين، فما كان من محمد العدساني إلا أن حصر احتياجات البلاد المستقبلية من التثمين وقدر الاحتياجات المالية المطلوبة بحيث يتم انفاقها على مدى خمس سنوات، وكان المبلغ 200 مليون دينار مما أسال لعاب «الغريب» و«أم أحمد العكافة» و«بواقة الكحلة من العين» ومن لف لفهم.ففي دراسة اجرتها البلدية آنذاك اتضح ان غالبية المراجعين انما يدخلون مبنى البلدية للتجسس على مسارات التثمين.وحالما بدأ المجلس البلدي تنفيذ الخطة الرائدة لانهاء موضوع التثمين بدأت حملة شعواء ضد محمد العدساني ومن الطرافة بمكان أن يتم اتهامه في احدى الصحف بأنه يسعى الى تطبيق الشيوعية في البلاد.وظلت تلك الحملة تطبخ «على نار هادئة»، لا بل على نار حارقة موجهة سهامها على الرجل المخلص محمد العدساني على طريقة «طاح مرزوق طاح»، حتى أطيح بالمجلس وبالرجل في مايو 1966، ومن ثم بدأ موسم «كراف» الـ 200 مليون دينار دون حساب والتي كان مقررا لها ان تكون خاتمة الميزانيات الضخمة لاغراض التثمين وهكذا استمرت حنفية التثمين لاحقا فمن 500 مليون إلى 700 مليون وهكذا.والمهم في الأمر ان مسلسل العبث ذاك قد بدأ بالتشكل بُعيد وفاة الرجل «السمح» الشيخ عبدالله السالم، ومن ثم استقالة ثمانية نواب احتجاجا على صدور قوانين مناهضة للحريات وبداية تكون تحالف «نواب الشعب».هكذا كانت المحطة الأولى من العبث في البناء الديموقراطي، مؤشرا لبداية التدهور والانتكاسة لكن الحكاية لم تتوقف هنا، وليتها توقفت هنا، وكانت الخسارة مالية فقط، ولكنها استمرت كما سنرى لاحقا.