وثيقة ترشيد الجهاد... والأرض الممهدة للحرث

نشر في 23-11-2007 | 00:00
آخر تحديث 23-11-2007 | 00:00
No Image Caption
* تعد وثيقة «ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» تصحيحاً لكثير من الأخطاء النظرية والعملية التي وقع فيها «تنظيما الجهاد والقاعدة من قبل».

* وهي تعد البداية الحقيقية لمراجعة هاتين الحركتين الإسلاميتين لبعض أفكارهما القديمة عن الجهاد كفريضة إسلامية أسيء فهمها وتطبيقها. وعن العلاقة بين الحركة الإسلامية والدول التي تعيش فيها، وعن حرمة قتل المدنيين والسياح... إلى آخر ذلك مما احتوته الوثيقة من أفكار مهمة.

* وقد يكون لهذه الوثيقة بالذات الأثر الأكبر على الشيخ أسامة بن لادن وكذلك الدكتور أيمن الظواهري، وذلك لتوثق صلة الدكتور سيد بهما وشدة تأثيره عليهما، وخصوصا في فترات سابقة من حياة الثلاثة.

* لقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مادحا الحسن بن علي رضي الله عنهما بقوله «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين».

* لقد منح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسام السيادة للحسن لأنه سيسعى إلى الصلح بين المسلمين، وهذا ما وقع فعلا حيث تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما، منهيا حقبة مؤلمة من الصراع بين آل علي بن أبي طالب في الحجاز، ومعاوية وجنده في الشام بعد مصرع قرابة ثمانين ألف مسلم.

*ولكن الحسن بن علي رغم ذلك كله تعرض لهجوم شديد من كثير من أتباعه من الشيعة حيث إنهم كانوا إذا قابلوه يقولون له: يا مذل المؤمنين، فكان يقول: لست بمذل للمؤمنين، ولكن جماجم العرب كانت بيدي فكرهت أن أقتلكم على الملك.

* وكانوا يقولون له: يا عار المؤمنين.

* فكان يقول: العار خير من النار.

* والحقيقة المؤلمة هي أن كل هؤلاء لم يلتفتوا إلى مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن على هذا الأمر بالذات، ولا أدري كيف غاب هذا الحديث عنهم، ولا أدري كيف أن شيعته لم يعرفوا قدره ومكانته، وقيمة ما صنع من أجل حقن دماء المسلمين، وهذا والله من أعظم الطاعات والقربات.

* بل إن العجيب والغريب في الأمر أن شخصية عظيمة وثرية مثل شخصية الحسن بن علي لم تحظ بالاهتمام الكافي من أجيال المسلمين المتعاقبة، ورغم مكانة سيدنا الحسين وفضله فإن هذا الثناء الذي ناله الحسن بن علي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينله سيدنا الحسين، رضي الله عنهما.

* ولكن هكذا الشعوب دائما ً ولا سيما الشباب منهم يحبون القتال ويهوون الحرب، ولا يرغبون في الصلح والسلم، حتى إن حقق الصلح مقصود الشرع الحنيف أكثر من الحرب في كثير من الأوقات.

* ومن أجل ذلك كله وغيره نرى شخصية مثل الحسن بن علي تكاد تكون مغمورة لا يسمع عنها أحد ولا يعرفها أحد، حتى الشيعة، وهم الذين ينصرون آل البيت لا يكادون يذكرون شيئاً عن الحسن مقارنة بالحسين، بل تشعر وكأنه لم يكن في تاريخ المسلمين قط صحابي جليل من آل البيت اسمه الحسن بن علي.

* وما يحدث من المسلمين مع الحسن والحسين رضي الله عنهما يحدث مثله مع فقه الجهاد وفقه الصلح، فترى الشباب بل والفقهاء والدعاة يقرأون ويتحدثون ويتكلمون عن الجهاد وفقهه، فإذا قلبوا صفحات هذا الفقه وجدوا خلفه مباشرة فقه الصلح لم يلتفتوا له ولم يتصفحوه ولم يتكلموا عنه، رغم الحاجة الماسة للحركة الإسلامية إلى فقه الصلح خصوصا مع دولها ومجتمعاتها والمسلمين، توحيدا ً للصفوف ورأبا للصدع وحفاظا ً على مصالح الإسلام والأوطان العليا.

* تذكرت كل ذلك وأنا أريد أن اكتب عن الخطوة الشجاعة التي قام بها الدكتور سيد إمام عبد العزيز ليقود تنظيم الجهاد المصري نحو مبادرة جديدة لوقف القتال بين التنظيم وبين الدولة والمجتمع المصري.

*إنني أحيي الدكتور سيد المشهور بالدكتور فضل على هذه المبادرة، وعلى إقدامه لقيادة جماعة الجهاد المصرية نحو خطوة استراتيجية مباركة يغلق بها ملف العنف الدامي الذي ساد فترة التسعينيات ولم يخدم الإسلام ولا قضاياه، ولم يحق حقا ً ولم يبطل باطلا ً، ولم يحقق خيرا ً، بل جلب كل المفاسد على الإسلام والأوطان والحركات الإسلامية نفسها.

* لقد أقدم الدكتور فضل على ما أحجم عنه الكثيرون، وقبل ما رفضه الكثيرون في قيادة هذا التيار نحو رؤية استراتيجية شرعية لوقف كل العمليات القتالية التي كانت تحدث في مصر انطلاقا ً من مفهوم خاطئ لفريضة الجهاد العظيمة، وهؤلاء الذين رفضوا أشفقوا على أنفسهم وسمعتهم من لغط الأخوة في جماعة الجهاد نفسها، إذ علم هؤلاء الفضلاء أن بعض إخوة الجهاد سيسلقونهم بألسنة حداد، ولا يرقبون الله في تاريخهم وبذلهم وعطائهم.

* إن قيادة تنظيم الجهاد نحو هذه الخطوات المباركة يعد أصعب من نقل الجبال من أماكنها، فهم ليسوا جماعة بالمعنى المعروف، ولكنهم مجموعات متناثرة، كل منها له فهمه وتصوره الخاص في الدين والحياة، وليست لهم مرجعية أو قيادة واحدة يتوجهون إليها ويثقون فيها، والشك وسوء الظن عندهم فيمن يخطو مثل هذه الخطوات أكبر من الثقة بكثير،

* فهم يختلفون اختلافا جذريا عن الجماعة الإسلامية، ولذلك وغيره أحجم كثيرون عن التصدي لهذه المسؤولية الجسيمة.

* وانطلاقا من ذلك كله فإن إقدام الدكتور فضل على قيادة هذا التيار يعد شجاعة دينية وأدبية كبيرة، وسباحة في بحر لجي متلاطم الأمواج، ولكني أرى أنه بعون الله الأقدر على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، وأرى أنه سينجح في هذا الاختبار الصعب، وسيستطيع بصبره وحلمه وخلقه أن يقود هذه السفينة إلى شاطئ الأمان ولعل أهم الأسباب التي أستند إليها هي:

وجود تجربة سابقة كاملة ثرية وصادقة وناجحة، وهي تجربة مبادرة الجماعة الإسلامية، مما سييسّر على إخوة الجهاد قبول مبادرة الدكتور سيد إمام .. حيث إن هناك عدة آلاف من تنظيم الجهاد كانوا يؤيدون مبادرة الجماعة الإسلامية من قبل، وهؤلاء بالطبع وافقوا على مبادرة الجهاد.

نجاح الدولة فى تجربتها مع مبادرة الجماعة الإسلامية وخروج الآلاف من معتقلي الجماعة الإسلامية من السجون ووفائهم بعهودهم وعدم حدوث إخلال أمنى من جانبهم، كل ذلك شجع الدولة على تكرار التجربة مع الجهاد بثقة أكبر وشجاعة أعظم، كما أعطاها القدرة على سرعة قطع المراحل معهم من دون تشكك أو ريبة.

اختلاط إخوة الجهاد بالباقين من إخوة الجماعة المحكوم عليهم بالسجون، هيأ لهم التعرف عن قرب على مبادرة الجماعة الإسلامية والقناعة بأنها جمعت بين النظرية والتطبيق، والواجب الشرعي والواقع العملي، والحفاظ على ثوابت الإسلام مع عدم إهمال الواقع، وكيفية النظر إلى مصالح الإسلام والأوطان العليا وتقديمها على ما سواها من مصالح الأفراد والجماعات التي تقل أهمية عنها.

وقد حرص إخوة الجماعة الإسلامية على عدم حث إخوة «الجهاد» على شيء، وتركهم أحرارا ً يتخذون الموقف والرأي الذي يرونه مناسبا ً لأنفسهم، فلطالما قال قادة الجماعة لهم: هذه تجربتنا حية ونابضة، فإذا قالوا: بماذا تنصحوننا؟ قلنا لهم: هذا متروك لكم، وأنتم تقررونه بأنفسكم، لأننا كنا نعلم أن بعضهم دائما ً يفعل عكس ما ننصحه به، فتركناهم يفعلون ما يرونه مناسبا ً لأنفسهم ليكون نابعا ً من داخلهم.

ما يتمتع به الدكتور سيد من قيم أخلاقية ورصيد أدبي لدى جميع إخوة الجهاد في مصر والقاعدة في الخارج، فهو معروف بدماثة الخلق والأدب، وحسن التعامل مع الآخرين، بل إنه معروف بالتفوق العلمي والطبي فقد كان من أوائل دفعته في كلية الطب في قصر العيني في أواخر السبعينيات، وكل ذلك يجعله مقبولا أخلاقيا ً من الجميع، فليس له أية خلافات شخصية مع أحد في السجون حيث كان يعيش فيها وحيدا ً طوال الفترات السابقة، لظروف لا تتعلق به.

ما يتمتع به الدكتور سيد من سبق في العمل للإسلام والدين، فهو من جيل السبعينيات، وكان منها مع الدكتور أيمن الظواهري في قضية 1981 الشهيرة، وحكم عليه غيابياً بثلاث سنوات سجناً، لم تنفذ حيث إنه هرب قبل التحفظ مباشرة إلى السعودية، ثم منها إلى عدة دول أخرى كثيرة منها أفغانستان واليمن والسودان وكان معه في كل هذه الرحلة د.أيمن الظواهري.

ما يتمتع به الدكتور سيد من مكانة علمية وفقهية عند جماعة الجهاد وتنظيم القاعدة، فهو المنظّر الحقيقي لهما، بل هو المنظر الحقيقي لحركة الدكتور أيمن الظواهري كلها، وهو مؤلف الكتاب الأساسي الذي اعتمدت عليه «القاعدة» و«الجهاد» في تعليم وتدريب كل كوادرها الجهادية في معسكرات أفغانستان، وهو الذي ألَّف جزءاً كبيراً من كتاب الحصاد المر الذي كتبه الشيخ أيمن الظواهري.

يعتبر الدكتور فضل (سيد إمام) من أكثر أعضاء جماعة الجهاد في السجون فقها وعلما، فهو يتمتع بحاسة فقهية جيدة، وحضور علمي إسلامي معروف.

تعتبر وثيقته في ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم الإسلامي، ترشيدا ًوتصحيحاً لكل المفاهيم التي أرساها من قبل تنظيم القاعدة و«الجهاد»، أو ضبطا لها إن لم يكن إلغاءً لها، لاسيما أن الدكتور فضل قد قالها صراحة في الوثيقة حين صرح بأنه بريء من كل من يستخدم كتبه السابقة في عمليات قتالية داخل أوطان المسلمين ضد الحكومات أو السياح أو الشرطة أو نحو ذلك ..

يعتبر الدكتور سيد إمام هو توأم الروح والعقل وصديق العمر للدكتور أيمن الظواهري قبل حدوث القطيعة بينهما منذ قرابة 15 عاما ً في اليمن إثر الخلاف بينهما على كتاب العلم، وهذا الأمر بالذات سيعطي آثاراً إيجابية على أفكار «القاعدة» في المستقبل.

يعتبر الدكتور سيد أمام هو أول قيادة علمية فقهية في القاعدة والجهاد يجري مراجعات شاملة لفكر هذين التنظيمين، وما سبق من مراجعات من بعض قيادات الجهاد مثل الشيخ أحمد يوسف مسؤول الجهاد في محافظة بني سويف، لا تعدو كونها مراجعات محلية جزئية لمجموعة أو أكثر من هذا التنظيم.

وبعد...

* فتحية إلى الزميل الدكتور سيد إمام على شجاعته ورجولته.

* تحية إليه ساعيا ً في حقن الدماء.

* تحية إليه محافظا ً على وحدة الأوطان.

* تحية إليه ساعيا ً في تفريج كربات المسلمين في سجون مصر وغيرها بعد أن طال انتظار بعضهم سنوات طويلة.

* تحية إليه ناشرا ً للخير ... باذلا للمعروف

* تحية إليه مصححا للفكر الإسلامي، ومراجعا له مراجعة بناءة تهدي ولا تضل... تحافظ على الخير... وتزيل الشر.

* تحية إليه متحملا ً لهذه المسؤولية الجسيمة... مغامرا ً بجاهه وسلطانه.

* وأنا أبشره بجوائز السماء التي ستنهال عليه وعلى كل من ينقي صورة الإسلام من الشوائب والغبش.

* تحية إليه سائراً على درب الحسن بن علي... ومبشراً له بالسيادة في الدارين ما دام سالكا هذا الدرب العظيم لهذا الصحابي العظيم.

back to top