عدد كبير من الزملاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعة أحسوا بالإهانة والتشهير بسمعتهم والتشكيك بأخلاقهم، في ما عرضه برنامج تلفزيوني بثته قناة الراي قبل نحو أسبوعين، حيث أظهرنا (نحن أساتذة الجامعة)، كما ذكر الزملاء، كأننا «وحوش بشرية» يجب الابتعاد عنها!هل من الممكن اعتبار أساتذة الجامعة ملائكة لا يخطئون؟ وهل من الممكن، بل لنقل، هل من الجائز علمياً أن نعمم الخطأ الذي قد يرتكبه شخص من أي فئة مهنية؟ فهل لنا أن نقول، على سبيل المثال، إن الدعاة الدينيين يمارسون الشعوذة بمجرد أن تلقي الشرطة القبض على أحدهم أو بعضهم، وهم يقومون بأعمال السحر والشعوذة؟ أو هل من الممكن أن نقول مثلا إن أئمة المساجد أو مؤذنيها غير أسوياء بمجرد أن يلقى القبض على أحدهم، وهو يقوم بفعل غير أخلاقي؟ إن الجواب عن كل ما مضى هو النفي القاطع بكل تأكيد.
إن هنالك ما يسمى علمياً بالعينة الممثلة، التي يتم اختيارها بشكل علمي دقيق، وهناك قاعدة ثابتة بأن التعميم دائماً خاطئ... ما مناسبة هذا الكلام؟
المناسبة هو ما سمعته من عدد كبير من الزملاء أعضاء هيئة التدريس بالجامعة انهم أحسوا بالإهانة والتشهير بسمعتهم والتشكيك بأخلاقهم، في ما عرضه برنامج قذائف التلفزيوني الذي بثته قناة الراي الفضائية قبل نحو أسبوعين، حيث أظهرنا (نحن أساتذة الجامعة) هذا البرنامج، كما ذكر الزملاء، وكأننا «وحوش بشرية» يجب الابتعاد عنها! وقد استخدم في البرنامج الأسلوب «الهوليوودي» في التشويق والإثارة والمبالغة من خلال تضخيم بعض الحالات الفردية التي من الممكن أن تحصل في أي مجتمع بشري وعرضها وكأنها ظاهرة عامة.
وأستغرب كيف فات على الإخوة القائمين على البرنامج إدراك أن الانحرافات السلوكية الفردية تحصل في أي تجمع مهني مهما كان، حتى بين فقهاء ورجال الدين؟ فكم من مرة تكتب الصحافة عن إلقاء القبض على مؤذن أو إمام مسجد يمارس أعمالاً غير قانونية، أو يرتكب سلوكاً غير سوي؟ وكم من مرة تعلن الكنيسة، التي تتوافر لها مساحة واسعة من الحرية والشفافية لا توجد لدينا، عن قس شاذ أو راهبة سحاقية؟! ولكن ذلك لا يعنى بأي حال من الأحوال أن نعمم هذا الفعل أو ذاك السلوك على جميع من يمارسون تلك المهن، ونعرضه في برنامج تلفزيوني على قناة فضائية!
إن جميع زملائنا أعضاء هيئة التدريس بالجامعة يمثلون صورة ناصعة للأخلاق الفاضلة والآداب الراقية، وإذا ما صادفنا بعض الحالات الفردية القليلة جداً، فإنها تعتبر شذوذاً عن القاعدة لا قيمة لها، ولا ترقى الى مستوى الظاهرة الموجبة للنقاش علناً في برنامج تلفزيوني، وأؤكد ذلك بعد زمالة دامت سنوات طويلة ولا تزال في مواقع مختلفة في الجامعة، كان ضمنها شرف العضوية بالهيئة الإدارية لجمعية أعضاء هيئة التدريس، مما أتاح لي فرصة معرفة عدد كبير جداً من أعضاء هيئة التدريس الطيبين من الكليات المختلفة بالجامعة، ولم أرَ أو أسمع أو أشاهد خلال هذه المدة إلا الاستقامة في السلوك، والنبل والأخلاق العالية في التعامل مع أبنائنا وبناتنا من الطلبة، وأنا على يقين وثقة تامة بأنه رغم الإحساس بالإساءة البالغة من قبل الزملاء الأفاضل الأساتذة من هذا البرنامج، فإن ذلك لن يؤثر في السمعة الطيبة والأخلاق الراقية والنبيلة لأساتذة جامعة الكويت.
***
استدراك: ورد في المقال الماضي أن العالم يحتفل هذا العام «بالذكرى الثامنة والخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان»... والصحيح أنها الذكرى التاسعة والخمسون.