للوهلة الأولى يتداخل المعنى الحقيقي للديموقراطية كمصطلح سياسي، وكمفردة يتداولها الجميع بين ربطها بمبدأ الانتخاب وآلياته، وبين المعاني الحقيقية لها في الحرية والعدل والمساواة كثوابت أساسية. مأساتنا هنا في الكويت كما في الدول حديثة التعامل مع المنهج الديموقراطي هي قلب المعادلة، وقراءتها قراءة خاطئة بتحويل آلياتها كانتخابات وحقوق الأغلبية في اختيار ممثليها والمدافعين عن حقوقها إلى ثوابت على حساب المبادئ والأصول العامة لها، وهي الحرية والعدل والمساواة.نحن ننشغل كثيراً بالشأن الانتخابي والنيابي أكثر من انشغالنا بدور هذه المؤسسة في الحفاظ على الحرية والعدل والمساواة، وهي مبادئ صِرنا نراها يوميا تخترق من خلال البرلمان، ومن خلال مَن اختارتهم الأمة ممثلين عنها.
هؤلاء الذين - يفترض فيهم أن يكونوا مشرّعين ومراقبين وممثلين للأمة - أصبحوا يشرّعون على حساب ثوابت الديموقراطية وأصولها، بل تمادوا أكثر في تقليص مساحات تلك الثوابت والتعدي عليها أحياناً كثيرة.حرية الإنسان أصبحت تقنن بضوابط لا تتفق ومعنى كلمة الحرية ... والعدل صار مرهوناً بمراكز النفوذ وقوى الضغط الدينية وغيرها، والمساواة انتقلت من كونها ركناً وأصلاً في الديموقراطية إلى مساحة يتسابق فيها - غالبية - النواب لدفع فواتير وصولهم إلى مقاعد البرلمان، وغدا التنفيع والاستثناء والواسطة منهجاً يغتال مبدأ المساواة وكان الله في عون من لا يعرف نائباً...وهنا لا ندّعي أن العلة هي في المجلس والنواب، لكنها معادلة يشترك فيها أكثر من طرف، النواب والحكومة، وقوى الضغط، وغدت أصلا يحكم العبث بمبادئ الديموقراطية وتغييب أصولها وثوابتها ...العبث في حرية الإنسان وحقه في العيش الكريم واختراق ميزان العدالة والمساواة بين الناس ليست ديموقراطية، اللهم إلا بالمعنى العربي ... وربما نفصّلها على قياسنا، فتصبح الديموقراطية الكويتية التي، قوامها الاقتيات على حرق ثوابتها بالاصرار على أن أصلها النواب ... فمتى يتحول نوابنا إلى فهم حقيقة أنهم أداة من أدواتها، واجبهم الحفاظ عليها كثوابت ومبادئ أساسية، وليس بتفريغ محتواها من خلال الاعتداء على هذه الثوابت واختراقها بحجة، «هذه الانتخابات» ... «وهذا اختيار الأمة ...»الأمة حين تختار في ضميرها وقرارة نفسها تختار من يحمي الثوابت لا من يحتمي بها بطريقته وكما يشاء على حساب معانيها وقيمها...
مقالات
ثوابت الديموقراطية لا أدواتها
06-06-2007