«نزار غراب» هو أحد الأسماء البارزة في الجيل الثاني للتيار الجهادي، اتهم في قضية تنظيم «طلائع الفتح» عام 1993 بأنه مسؤول الإعلام السياسي، ولكن المحكمة العسكرية برأته وظل معتقلا حتى عام 1994، وسبق أن اعتقلته سلطات الأمن عام 1989 لنشاطه السياسي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وبعد خروجه من السجن نشط في مجال الدفاع عن حقوق المعتقلين الإسلاميين، وهو محامي القياديين في التيار الجهادي المقدم «عبود الزمر» وابن عمه الدكتور «طارق الزمر»، ومن هنا كانت أهمية الحوار معه.
• كيف ترى المراجعات التي يقوم بها تنظيم الجهاد؟ ما تقييمكم لها؟ - الدكتور «سيد إمام» له مكانته، وكان قد سبقه آخرون من قيادات الحركة الإسلامية أيدوا المفهوم في حد ذاته، وبحكم تخصص الشيخ «سيد إمام» وقراءاته الموسوعية بدأ يؤصل البعد الشرعي لهذه المراجعات، فالأشخاص القائمون على الفكرة أسماء بارزة في حركة الجهاد ومن ثم نستبعد أي اتهام موجه إلى فكرة المراجعات أو القائمين عليها. فحينما تعيد أي حركة سياسية على مدار التاريخ تقويم نفسها فهذا مؤشر على عافيتها، فالمراجعة إحدى سمات العمل السياسي، وهي مبدأ لا غبار عليه، بالعكس فهو أمر مطلوب ومحمود والذي لا يراجع نفسه قد يقوده ذلك إلى الاستمرار في مسيرة غير صحيحة. • ما هي مآخذكم على الحالة الجهادية في الفترة الماضية وقد كنت قريباً منها؟ - كانت لي تجربة وكنت أحد المتهمين في تنظيم «طلائع الفتح» -مسؤول الإعلام السياسي- وهذه التجربة لا شك كانت على رأس نتائج خوضها هو ما أصل له الدكتور «سيد إمام» من أن العجز عن الدخول في مواجهات يترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة، وهذا ما خبره أبناء الحركة الجهادية، فقد كانت هناك أعداد كبيرة جدا -على مدار السنوات الماضية- داخل السجن وعلى المستوى الأسري والاقتصادي والاجتماعي والنفسي كانت هناك ضغوط جبارة، وعلى الناحية الأخرى لم تتحقق المصالح المستهدفة من هذا العمل، فالتقييم والمراجعة لهذا السلوك والتحول نحو طريق آخر أمر دعت إليه الشريعة والفطرة الإنسانية السلمية. • باعتباركم المسؤول عن الإعلام السياسي في تنظيم «طلائع الفتح» ما المأخذ الرئيسي على التنظيم؟- أول مأخذ ويعد في منتهى الخطورة هو لجوء البعض إلى القتل وإراقة الدماء من دون ضوابط، فبعض المتهمين حُكم عليهم بالإعدام لتورطهم في أعمال قتل لم يكن لها أي صلة بأهداف التنظيم، والإسلام في موضوع الدماء يقف منها موقفاً جللا، وهذا ما أشار إليه الدكتور «سيد إمام»، وحين كنا في السجن بشأن هذه القضية اعترضنا على من قاموا بهذا الفعل ودعوناهم إلى تقديم دية إلى أهل المقتولين باعتباره قتلاً مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية، فتلك كانت أكبر أزمة، وأعتقد أنها هي التي أدت إلى الانهيار، وهذا ما أشير إليه في المراجعات بالقول إن بعض الناس يأخذون قرارا في مسألة الدماء وهم غير مؤهلين، كما أن التنظيم دخل في مواجهة غير متكافئة. • ولكن المعلومات تقول إن التنظيم أنفق عليه جهداً ووقتاً كبيراً، وكانت هناك آمال كثيرة معلقة عليه؟ - هذا الكلام قيل في التحقيقات، إن التنظيم كان يملك مقومات عسكرية وسياسية وإعلامية كبيرة، ولكن هذا لم يكن مكافئاً للدخول في مواجهة مع الدولة، وترتبت على ذلك أضرار كبيرة جدا أهمها القبض على 1000 عضو في ليلة واحدة بعضهم حُكم عليه بالإعدام والمؤبد والاعتقال الطويل. • باعتباركم محامي المقدم عبود الزمر وأحد المقربين منه، ما موقفه من هذه المراجعات؟ - ما أعلمه أن الخط العام لـ«عبود الزمر» يتبنى رؤية متوازنة تقوم على أنه بناءً على تجارب الحركة الجهادية يجب اتخاذ قرار بوقف الصدام مع الدولة لحقن الدماء، ومقابل ذلك يتم الإفراج عن المعتقلين والسماح للتيار الجهادي بالوجود السياسي السلمي، وهذا تحول جيد، فهو يدعم بقوة وقف أي أعمال صدامية مع الدولة، وإطلاق سراح كل المعتقلين للدخول في مرحلة جديدة من الحياة السياسية لا نكون فيها بحاجة إلى تشريع قانون للإرهاب يؤدي إلى التضييق على الحريات والتضييق على حقوق المواطنين. • ما رؤيتكم الخاصة لمستقبل الحالة الجهادية بعد المراجعات؟ - المراجعات، حسبما أرى، لها جناحان، الجناح الذي يقدمه الإسلاميون والجناح الآخر يجب أن تقوم به الدولة وهو أسلوب تعاملها في المرحلة القادمة مع هذا التيار، والتنبه إلى المخالفات الصارخة في بعض القوانين للشريعة الإسلامية والتي تحدث عنها الأزهر أو أحكام لرجال القضاء ينبغي إعادة النظر فيها لتتوازن المراجعات ومن ثم يكون لها شرعيتها وقوتها وثمارها الجيدة. • كيف تنظر الحركة إلى نفسها توجهها في المستقبل؟ هل ستتحول إلى نشاط آخر سياسي أو مجتمعي؟ - كثير من رموز هذا التيار ممن أطلق سراحهم في المرحلة السابقة، أو يفرج عنهم حاليا لديهم مشروع سياسي، فلو سمح لهذا المشروع بأن ينجح فسيساهم في نجاح المراجعات من جهة، ومن جهة أخرى سيدعو عناصر أخرى إلى الانضمام إلى هذا المشروع ما دام مشروعا سياسيا سلميا يحقق طموحات هؤلاء الشباب في تقديم دور لخدمة دينهم وأوطانهم. • هل سيكون تأثير المراجعات على المزاج الإسلامي محدودا كما يقول بعض الناس؟ - في ما يتعلق بالجانب الشرعي لموضوع المراجعات سيكون له تأثير كبير، لأن كثيراً من أبناء هذا التيار لا يتوافر لهم القدر الشرعي الذي يمتلكه الدكتور «سيد إمام» وبالتالي هم يبحثون عن الرجوع إلى الأحكام الشرعية التي تضبط لهم الواقع بشكل صحيح، وأعتقد أن الدكتور «سيد» قدم العلم الصحيح لمن يبحث عنه، وأعتقد أنها ستكون ذات تأثير جيد جدا على الوضع الداخلي، وعلى المستوى الخارجي... أدعو المنتمين إلى التيار خارج مصر إلى الاستماع لما تقدمه المراجعات استماعاً حسناً وإعادة النظر طبقاً إلى هذه الرؤية الشرعية في السياسات المتبعة من جانبهم، لعل هذا يكون له نتائج إيجابية على الدعوة الإسلامية في الغرب وأميركا وفي نفس الوقت لعل هذه الأطراف المتصارعة تعيد النظر في سياستها تجاه العالم الإسلامي. • البعض يتحدث عن صفقة وآخرون يتحدثون عن تكتيك بشأن المراجعات، فهل توافق على ذلك؟ - لا أعتقد أن هناك صفقة ولكن الأمر هو دراية ومعرفة متمكنة من الواقع وسحب الأحكام الشرعية عليه بشكل سليم، أما بالنسبة لكونها تكتيكاً فهو زعم أولئك الذين يريدون الشرور لمصر والمنتفعين من استمرار العنف، ولا أعتقد أن ذلك صحيح، فعبود الزمر قال «إن وقف العنف هو خيار استراتيجي»، والدكتور سيد يؤصل تأصيلا شرعيا لرؤيته، فيجب استبعاد العناصر التي تفتقد التجرد والتي ليس لديها وطنية بشكل حقيقي ويمكننا القول إنها عناصر ذات مصالح. • عبود وطارق الزمر أصدرا بيانا بشأن المراجعات، ولكننا لا نشعر بوجودهما رغم أهميتهما؟ - الشيخان عبود وطارق كانا من الداعين إلى مراجعات الجماعة الإسلامية والداعمين لها، وعند قرب الإعلان عن مراجعات الدكتور «سيد إمام» أصدر الشيخان بياناً بعنوان «مبادرة الجهاد نحو غد أفضل» وهذه رؤية جديدة، فهم يرون المبادرة تفتح صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة والتيار الجهادي والمجتمع، تتلافي الأضرار التي حدثت في المرحلة السابقة، فهم أبرز الداعمين لفكرة التحول في المرحلة الأخيرة، والشيخ عبود الزمر يدعم المبادرة دعماً سياسيا ولكنه لم يتطرق إلى المسائل الشرعية لعدم إطلاعه عليها. • ما تقييمكم لردود فعل تنظيم القاعدة على المراجعات في المرحلة القادمة؟ - أعتقد أنه لا يمكن التنبؤ بشكل واضح، وأنا أنتهز تلك الفرصة لدعوة تنظيم «القاعدة» إلى النظر في المراجعات بشكل متأن وأخذها مأخذ الجد، فهناك وقائع دالة تفيد بإمكان أخذ المراجعات من جانبهم مأخذ الجد، كما في خطاب «بن لادن» الذي أعلن فيه التنبيه على بعض أخطاء التنظيم في العراق، وهناك خطاب الظواهري الذي أشار فيه منتقدا مراجعات «سيد إمام»، فالتنبؤ مسألة صعبة، ولكن الجدل بشأنها في كل الأحوال سيكون له ثماره سواء بالتأييد أو المعارضة. ولكنني أدعو قادة تنظيم القاعدة بحكم علاقتهم القديمة بالدكتور «سيد» وبحكم مكانته لديهم وبحكم المضمون الشرعي الجيد المقدم في المراجعات، أن يفتحوا صفحة جديدة للعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب يكون فيها مصلحة للأمة الإسلامية.
تحقيقات ودراسات
القيادي الجهادي نزار غراب لـ الجريدة: عبود الزمر يدعم المراجعات... والمطلوب السماح لـ الجهاد بالعمل السياسي
03-12-2007