عندما يحكم الإسلاميون!
الدين هو مرجعية عليا لمجتمعاتنا ودساتيرنا لا خلاف عليه، ونحن مع الدولة المدنية الحديثة التي لا تستبعد الدين كمرجعية عليها، ولكننا ضد حاكمية الفقهاء والجماعات الدينية التي توظف الدين لخدمة أهدافها السياسية كما أننا ضد تسييس الدولة للدين أو احتكار الفهم الديني في مؤسسات رسمية أو جماعات دينية أو أيدلوجية.
أعني بالإسلاميين - هنا - التيارات الدينية السنية والشيعية كافة الساعية الى الوصول للحكم، وتتعاطى العمل السياسي من منطلق رؤية أو ايديولجية دينية تريد فرضها على المجتمع والدولة، وهي تضم أطيافاً واسعة على امتداد الساحة الإسلامية وتحت مسميات شتى، أكبرها وأقدمها «الإخوان المسلمون» الذي نشأ في الإسماعيلية بمصر 1928 كجماعة دينية تناوئ حزب «الوفد» صاحب الأغلبية الشعبية وبقية الأحزاب المصرية، وتبشر بحلول دينية لقضايا سياسية واقتصادية، ومنها حزب ط «التحرير» وجماعات «التكفير والهجرة»، و«الجهادية»، و«الجبهة الإسلامية» في السودان، و«العمل» في الأردن، و«حماس» في غزة، و«حزب الله» في لبنان، و«المحاكم» في الصومال، و «طالبان» الأفغان و«السلفية» بالجزائر و«الحوثيون» باليمن و «فتح الإسلام» بلبنان والجماعات الدينية الباكستانية و«القاعدة» وخلاياها، والأحزاب الدينية المتصارعة بالعراق. تلك الجماعات جميعها تتنازع السلطة الشرعية في مجتمعاتها وتسعى إلى الحلول مكانها، تحت وعود خادعة وشعارات براقة بأنها ستحقق «العدل» الإسلامي المفقود، وستطبق «الشريعة» الغائبة وترفع لواء «الجهاد» وتستعيد أمجاد الإسلام والخلافة وتحقق العزة للمسلمين، وبادعاء أنها الممثل الحقيقي للإسلام والقادر على الدفاع عن كيان الأمة وحمايتها والقادر على طرد المحتل الإسرائيلي وإزالته من الوجود وأنها الكفيل بمناهضة الغرب وصد غزوه الخبيث والماكر فكرياً واجتماعياً وعسكرياً.وبداية يجب التمييز والفرز وفك الاشتباك بين مفاهيم «الدين» و«الأيدلوجية الدينية» و«الفكر الديني» دفعاً لإساءة الفهم، أما «الدين» كعقيدة وعبادة وأخلاقيات ومبادئ حاكمة للشأن المجتمعي، فهو مرجعية عليا لمجتمعاتنا ودساتيرنا لا خلاف عليه، ونحن مع الدولة المدنية الحديثة التي لا تستبعد الدين كمرجعية عليها، ولكننا ضد حاكمية الفقهاء والجماعات الدينية التي توظف الدين لخدمة أهدافها السياسية كما أننا ضد تسييس الدولة للدين أو احتكار الفهم الديني في مؤسسات رسمية أو جماعات دينية أو أيدلوجية.نشطت بعض تلك الجماعات التي اختارت الطريق السلمي ونبذت العنف في المعارضة وأفلحت في شحن الجماهير وتجييشهم وتعبئتهم ضد الحكومات العربية مستغلة الظروف الاقتصادية الداخلية الصعبة والأوضاع الإقليمية الخارجية الملتهبة، وصدقت قطاعات جماهيرية وعود الإسلاميين ووصلوا إلى السلطة في بعض الدول العربية والإسلامية سواء بالانتخاب أو بالثورة والانقلاب فماذا كانت النتيجة؟ وهل استطاعوا تحقيق ما وعدوا؟ لقد كان الإسلاميون والمتعاطفون معهم يتعللون في ما مضي بأن الغرب لا يسمح لأي حزب إسلامي بالوصول إلى السلطة خوفاً على مصالحه، وكانوا يبرزون أنفسهم أمام الجماهير كضحايا للسلطات العربية التي تبطش بهم وتزجهم في السجون وتعذبهم، وكان بعض الكتاب يردد دائماً: كيف نحكم على الإسلاميين ولم نجربهم كما جربنا غيرهم من البعثيين والناصريين والقومين والشيوعيين؟ لماذا لا يسمح لهم بخوض غمار العمل السياسي والانتخابي لإثبات جدارتهم... ولكن ها هي التجارب السياسية المعاصرة لحكم الإسلاميين وعلى امتداد أكثر من (3) عقود تبرهن بجلاء ووضوح أن حكم الإسلاميين هو الأسوأ وبجدارة! بالله عليكم ما الذي ينقص الحكم الإسلامي في ايران لتصبح إيران جنة الله في أرضه، ولتنافس اليابان وبقية النمور الآسيوية؟ (الملالي) في ايران يحكمون ويتحكمون في أغنى دولة في الأرض، حباها الله بكل الموارد والثروات والطاقات وهاهي الثورة الإيرانية تكاد تكمل عامها الثلاثين، ولم تفلح حتى الآن في تقديم «نموذج إسلامي» يحتذى به كما فعلت «ماليزيا» التي لا تملك ربع موارد إيران - مثلاً- ! ما زالت إيران تعاني مشاكل اقتصادية خانقة وما زال الشعب يعاني البطالة والقمع ومطاردة المثقفين والسياسيين المعارضين، والكفاءات تهرب وحقوق المرأة والأقليات مهمشة. لماذا؟إنه بؤس الحكم الأيدلوجي الشمولي الذي يحكم رؤى وعمل كافة الحركات السياسية الدينية الإسلامية وغير الإسلامية إنه قانون اجتماعي صارم يفرض نفسه على أي حكم شمولي، وهو يبدأ بتضخيم الاعتقاد لدى قادة الحكم الديني بوجود مؤامرة خارجية تستدعي حشد الجماهير وشحنهم باستمرار وعسكرة المؤسسات المدنية كافة وإشغالها بالعدو الخارجي المتربص، ويمر بإهدار المليارات في سبيل إنشاء ترسانة من الصناعات الحربية الثقيلة بحجة الاستعداد والدفاع وحبذا لو تملك القنبلة النووية فهي حلم كل حكم ديني وشمولي مهما كانت التضحيات والتكاليف ولا بأس بخداع العالم فالحرب خدعة، وينتهي الحكم الشمولي بالبحث عن دور خارجي لتصدير الأيدلوجية الدينية وتحقيق الزعامة والمكانة الدولية ومناطحة الغرب وأميركا وتأمين الدور الرسالي، وليس مهماً في سبيل تحقيق الرسالة أن يجوع الشعب ويعيش بائساً! ثم تكون العاقبة النهائية لأي حكم ديني بعد أن يتورط في مغامرات غير محسوبة كارثية ومأساوية على الدولة وجيرانها. وها هو الحكم في السودان يتباهى بأنه في الطريق لإنتاج الصواريخ والأسلحة الثقيلة، هل ذلك أولوية أم مضاعفة الجهد في مجالات التنمية والسلام والوحدة؟! أما حكم «طالبان» فقد جثم على صدر الأفغان «3» سنوات وشكل كابوساً ثقيلاً ولم يعتزم أي إنجاز تنموي أو تعليمي الشيء الوحيد الذي نجح فيه هو إصدار مرسوم المحرمات الذي منع الأغاني والموسيقى، وأغلق دور السينما، وأجبر الناس على الصلاة، وأمر باغلاق المحلات وقت الصلاة، ومنع المرأة من الخروج إلا برفقة محرم، وهي متشحة بالسواد الكامل وحرَّم عليها العمل والتعليم، وكانت النتيجة أن خيم جو من الكآبة والبؤس على المجتمع عامة، أما «المحاكم» في الصومال فقد كانوا نسخة «أفريقية» من «طالبان» طبقوا العقوبات المغلظة وتمسكوا بالشكليات والمظاهر الدينية وسارعوا إلى إعلان الجهاد في سبيل توحيد الصومال وتمردوا على السلطة الشرعية فكانت نهايتهم مأساوية، أما «حماس» بعد انقلابها الدموي واستقلالها بغزة فقد تسببت في أوضاع مأساوية، وهي نادمة الآن وتتوسل الى «طوب الأرض» وتستجدي الحوار، وقد كان حكمها قبل الانقلاب حكما بائسا زادت معاناة الفلسطينيين وتأزمت أوضاعهم لولا مساعدات العرب التي خففت معاناتهم، وأما «حزب الله» الذي شكل دولة فقد سبب مغامرته غير المسؤولة الدمار وسقوط الأبرياء وتشريد الأهالي، وهو الأن أسير مربعه الأمني الذي يشكل تأزيما للوضع اللبناني، لا يوجد حتى الآن، نموذج واحد لحكم ديني ناجح، بل ما من دولة يحكمها حزب ديني إلا وتردت أوضاعها وتفاقمت مشاكلها وتأزمت وحل البؤس والخوف والشقاء والكآبة على مؤسساتها وأحوالها كافة، وأهمها «الحالة الاقتصادية»، فالاستثمارات الأجنبية تسارع بالهرب لوجود جو مجتمعي معاد ومحرض عليها، والبنوك والمؤسسات المالية كافة تغلق بحجة حرمة الفوائد الربوية وتهبط العملة النقدية إلى الحضيض وتصبح أوراقاً لا قيمة لها خارجياً، ولذلك نجد الدولة الدينية تستميت في الحصول على الدولار، أما الموارد والثروات فضائعة لأن الهَّم الأكبر للقادة الدينية هو الإنفاق بهدر على التسليح الحربي وتمويل الحركات الدينية الأخرى ضد حكوماتها بهدف إثارة القلاقل والاضطرابات التي تمهد للوثوب على السلطة. على أن أكبر ضحايا الحكم الديني «الحريات» إذ يتم قمع المثقفين ومصادرة كتبهم واتهام المعارضين والتنكيل بهم بتهم «التخوين» و«التكفير» و«الردة»، أما الفنون والآداب والمعارف الإنسانية فلا مكان لها في دولة الإسلاميين إلا إذا أعلنت اسلامها جهاراً. أما منابر المساجد فستصبح منابر تحريضية ضد الخصوم وما يحصل في مساجد غزة خير شاهد.وستغيب دولة «القانون» ويتلاشى مبدأ «المواطنة» لمصلحة دولة «الشريعة» و«الإسلام وطن)، وستهيمن الثقافة الذكورية على المجتمع وتنتشر ثقافة الكراهية والإقصاء والتعصب الطائفي وسيعم الخراب ويزداد عدد المتسولين والعاطلين واللاجئين الهاربين من فردوس الحكم الديني إلى ديار الغرب.على أن أخطر ما في كابوس الحكم الديني أن الدينيين لن يغادروا الحكم إلا بانقلاب دموي أو تدخل خارجي.* كاتب قطري