أزمة القروض والعناد الحكومي!
هناك الآلاف من العوائل تعاني مشاكل حقيقية وخطيرة بسبب القروض وفوائدها القاتلة، ولهؤلاء وأنصارهم من النواب كل الحق في التعاطي مع هذا الموضوع من المنظور السياسي الواسع، فمن يرى حجم الفساد المالي وتبديد الأموال والصفقات المشبوهة بين الحكومة وبعض المنتفعين لا يملك سوى التمسك بإيجاد حلول واقعية لعوام الناس من الطبقات الفقيرة.
أزمة القروض وتداعياتها دليل جديد على التخبط والعناد اللذين تمارسهما الحكومة وتضع البلد من خلالهما في «شربكة» سياسية، الضحية الأولى لها المواطن البسيط، فمهما كابرت الحكومة ومؤيدوها من داخل المجلس وخارجه تبقى قضية القروض مشكلة حقيقية وواقعاً مراً لابد من مواجهته والتصدي لحلحلة رموزه وطلاسمه ليس دفاعاً عن المتورطين في هذا المأزق فحسب، بل من أجل إعادة التوازن للاقتصاد الوطني وحمايته من أشكال الهيمنة والتلاعب وسوء الاستغلال.إن إجمالي القروض المقسطة والاستهلاكية بلغ نحو خمسة مليارات دينار، أي ما يعادل نصف ميزانية الدولة للسنة المالية الحالية حسب إفادة محافظ البنك المركزي، وهذا رقم مهول جداً ويشمل نصف مليون قرض، أي إجمالي عدد الكويتيين البالغين إذا استبعدنا الأطفال الذين هم دون الثامنة عشرة من العمر. وعلى الرغم من كون المسألة معقدة من الجانب الفني والائتماني فإنها تحولت إلى أزمة سياسية استنزفت الكثير من الوقت والجهد والتفكير بسبب العناد الحكومي وتجاهلها جذور هذه المشكلة ونتائجها على مدى السنوات الأربع الماضية، فقد اعتبرت مديونيات المواطنين شأناً شخصياً بحتاً «لا ناقة لها ولا جمل» في ذلك، بل لم تتعنّ الجهات المسؤولة طوال الفترة الماضية القيام بأبسط واجباتها في إعداد دراسة متكاملة ووافية لتشخيص أبعاد المشكلة المتنامية أو تتوجه بالنصح إلى المواطنين لاحتواء تمدد هذه الظاهرة ناهيك عن مسؤوليتها الأساسية في اتخاذ إجراءات مالية لمواجهة موجة الاقتراض الجنونية على مدى السنوات العشر الماضية، بل كان إصرارها الغريب على ربط الدينار بالدولار سبباً مباشراً في قصم ظهر المقترضين بسبب زيادة الفوائد.وصحيح أن قضية القروض اختلطت فيها الكثير من الأوراق وتفاوتت أنواع الاقتراض ومبرراته ما بين الحاجة الفعلية والإفراط الاستهلاكي، الأمر الذي يجعل من قرار إسقاط القروض «على عواهنه» إخلالاً بمبدأ العدالة وإدخال الاقتصاد الكويتي في متاهات جديدة مجهولة قد تؤثر في معدلات التضخم والسيولة النقدية، إلا أن هناك الآلاف من العوائل تعاني مشاكل حقيقية وخطيرة بسبب القروض وفوائدها القاتلة، ولهؤلاء وأنصارهم من النواب كل الحق في التعاطي مع هذا الموضوع من المنظور السياسي الواسع، فمن يرى حجم الفساد المالي وتبديد الأموال والصفقات المشبوهة بين الحكومة وبعض المنتفعين وتقاعسها عن استرداد حقوقها المالية، ومن يتذكر هدية التحرير وهبات الدولة للخارج وقانون المديونيات الصعبة لا يملك سوى التمسك بإيجاد حلول واقعية لعوام الناس من الطبقات الفقيرة الذين غرقوا في بحر القروض خصوصاً في ظل الوفرة المالية وارتفاع أسعار النفط.وما دامت القضية وصلت إلى أروقة المجلس بحلول واجتهادات نيابية مختلفة، يجب أن تكف الحكومة عن سياسة «عمك أصمخ»، بأن تبادر بدورها إلى طرح بدائل من شأنها تخفيف المعاناة عن المواطنين ضمن رؤية اقتصادية شاملة تقي الجميع من أي آثار سلبية، فهي التي تملك بنك المعلومات الدقيقة في هذا الشأن، ولديها الأجهزة الاستشارية المتخصصة وبيدها القرار السياسي، ولتتعلم الحكومة ولو لمرة واحدة أن العناد دائماً ينقلب عليها وترضخ في النهاية أو حتى أنها قد تأتي لتزايد مستقبلاً بما هو أكبر وأعلى كلفة لمعالجة مشكلة القروض!!