Ad

ذلك التعامل البعيد كل البعد عن الرشد والرشاد مع حقيبة وزارة النفط، والذي انعكس بشكل سلبي على مسيرة القطاع النفطي كما قال أهل الاختصاص، يدلل وبقسوة على أن حكومتنا عاجزة حتى عن أن تدرك أهمية وضع هذا القطاع الذي يمثل رئة الكويت وقلبها النابض بعيداً عن دائرة اللعبة السياسية.

موضوع مهم جداً ذلك الذي نشرته «الجريدة» قبل يومين بشأن التأثير السلبي لعدم الاستقرار الحكومي والتغيير المستمر لوزراء النفط على مسيرة القطاع النفطي، لأنه جاء ليضع اصبعه على جرح غائر في قلب الاقتصاد الكويتي. والحقيقة انه وإن كانت هذه الخطوة تثمّن لـ«الجريدة»، إلا أن هذا الموضوع يستحق اهتماما أكبر بكثير من مجرد تغطية صحفية تأتي مبادرة ذاتية من هذه الصحيفة أو تلك، انبعاثا من تلمسها لأهميته.

هذا الموضوع المهم، بل سأقول الأكثر أهمية عن كل ما سواه، يستحق اليوم انتباها حقيقياً من كل الجهات. من جانب مجلس الأمة، الذي يفترض فيه أن يسائل الحكومة ويحاسبها عن سياستها النفطية، وعن استراتيجيتها وخططها المقبلة في ظل الظروف العالمية المتقلبة التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار ومستقبل النفط. ويستحق كذلك انتباهاً حقيقياً من المؤسسات المرتبطة بالشأن النفطي يتبلور على شكل أنشطة نقاشية وبحثية تسلط الضوء على هذا الصعيد. ويستحق أيضا انتباهاً حقيقياً من النقابات العمالية النفطية التي هي الأقرب لما يجري فيه، والأعلم بما يعانيه من علل ومشاكل داخلية، يظهر على شكل حراك يدفع نحو كشف الأخطاء والتصحيح والتطوير.

حكومتنا الرشيدة وعلى مدى 17 عاماً وضعت على وزارة النفط 11 وزيراً، أي بما لا يتجاوز عام ونصف العام لكل وزير. سنوات كان الوزير يأتي فيها تارة بالوكالة كما هو حاصل مع الوزير الحالي محمد العليم، وتارة أخرى تختزل فيها الوزارة بأسرها مع الكهرباء والماء لتصبح جميعها وزارة للطاقة، وفقاً للظروف السياسية أو بصراحة أكثر وفقا لمتطلبات الحسابات الحكومية- البرلمانية المعروفة عند التشكيلات الجديدة.

هذا التعامل البعيد كل البعد عن الرشد والرشاد مع حقيبة وزارة النفط، والذي انعكس بشكل سلبي على مسيرة القطاع النفطي كما قال أهل الاختصاص، يدلل وبقسوة على أن حكومتنا عاجزة حتى عن أن تدرك أهمية وضع هذا القطاع الذي يمثل رئة الكويت وقلبها النابض بعيداً عن دائرة اللعبة السياسية.

إن تأخر القطاع النفطي الكويتي ليس استنتاجا وصلنا إليه من الصورة أعلاه، بل هو حقيقة واقعة يعرفها القريبون من هذا الشأن، فالكويت اليوم صارت تحتل موقعاً متأخراً في التصنيفات العالمية في هذا المجال، ومعروف أن هذا القطاع لم يمر بأي تطوير استراتيجي حقيقي منذ سنوات طويلة، بل على العكس من ذلك يعيش بشكل مستمر في مسلسل القرارات المؤجلة، والمشاريع المعطلة، والإخفاقات والحوادث المستمرة، ويدور في دوامة البيروقراطية والشللية والصراعات الداخلية. كما أن الوفرة المالية المتحصلة من النفط لا تعود إطلاقا إلى أي نجاح يمكن أن نعزو فضله لإدارة هذا القطاع، وإنما تعود إلى الظروف العالمية التي رفعت الأسعار في هذا الوقت، بل لعلنا نقول بلا تحفظ إنه لو جرى تطوير هذا القطاع بما يجدر له من التطوير لكانت عوائد الكويت المالية أضعاف ما هو متحصل لها الآن!

نفط الكويت طوال السنين التي مضت كان سدرة تنمو وتثمر بلا مجهود يذكر من ناحيتنا، ولو كان شجرة تحتاج إلى عناية وسقاية خاصة، وتركوها عرضة لمثل سياسة حكومتنا الرشيدة وتعاملها مع القطاع النفطي طوال السبع عشرة سنة الماضية، لماتت، ولمتنا معها جوعاً، لذلك أعود لأسأل: ألا يجب أن نعطي هذا الموضوع اليوم ما يستحقه من اهتمام قبل أن تنخفض أسعار النفط فتموت الشجرة؟!