يحاول الاحتلال الأميركي بالاتفاق مع بطانته في أضيق الدوائر الممكنة تمرير «معاهدة أمنية طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد» الغرض الأساسي من ورائها إبقاء العراق عقوداً طويلة تحت نير استعمار جديد وانتداب مبطن، هدفه الأساسي كما أسلفنا حماية أمن إسرائيل المتصدع والمهزوز استراتيجياً، ووضع اليد نهائيا على حقول النفط العراقي!خمس سنوات عجاف وشبه قاتلة مرت على العراق الحبيب، عراق الثقافة والتاريخ والعمق الحضاري الضارب جذوره في أعماق الإنسانية الغنية بالشرائع التوحيدية، وهذا البلد لم ينكسر بعد ولم يقسم رغم أنف الاحتلال وبطانته الانتهازية الحمقاء، ولكن مع ذلك فالخطر لايزال محدقا به من كل جانب بسبب استمرار حروب التضليل والخداع ضده!
فقد حاولوا ولا يزالون جاهدين أن يبدلوا هويته العربية المسلمة ويحوروها إلى هويات متناحرة ومتقاتلة ومتصارعة باسم السياسة مرة، وباسم الدين مرة أخرى، وباسم النفعية والمصالح الآنية والتقاتل على فتات الاحتلال، ومع ذلك هناك بقية من أمل!
صحيح أن هذه السنوات العجاف مرت على العراقيين بمرارة غير مسبوقة في نوع تحدياتها وأنها كادت أن تطيح بكل شيء في لحظة من اللحظات إلا أن العقل الجمعي العراقي ووجدانه الحي استطاع حتى الآن أن ينقذ العراق من السقوط النهائي والتسليم للمحتل وكانت المقاومة وثقافتها هي العصب الأساسي لفعل البقاء والاستمرار!
فالاحتلال البغيض ورغم جرائمه البشعة وجبروته وحيله ومناوراته الخبيثة المتعددة والمتنوعة لم يستطع حتى الآن النيل لا من وحدة العراق ولا من عروبته ولا من محيطه العربي أو الإسلامي بما يجعل من الجميع أن يسلم مثلا بنتائج العدوان الاستراتيجية التي جاء من أجلها الاحتلال، أي القبول بالعراق قاعدة ثابتة ونهائية في خدمة المخطط الأميركي القاضي بالسيطرة النهائية على حقول النفط العراقي وفي مرحلة لاحقة حقول نفط الجوار أولا وتأدية دور الرافعة «العربية» المناسبة لحماية أمن إسرائيل الدويلة المدللة والربيبة المحببة لكنها المتصدعة بعد مقاومة يوليو اللبنانية المجيدة!
غير أن الخطير في هذه اللحظة التاريخية بالذات وفي ظل تشرذم عراقي داخلي فتنوي مقيت، يتم تظهيره على السطح السياسي بقصد ووعي، وأمام انقسام عربي حاد منشغل بوهم السلام مع إسرائيل من جهة والتقاتل غير المبرر حول لبنان العروبي المقاوم كما يفترض أيضا من جهة ثانية، يحاول الاحتلال الأميركي بالاتفاق مع بطانته في أضيق الدوائر الممكنة تمرير «معاهدة أمنية طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد» الغرض الأساسي من ورائها إبقاء العراق عقوداً طويلة تحت نير استعمار جديد وانتداب مبطن، هدفه الأساسي كما أسلفنا حماية أمن إسرائيل المتصدع والمهزوز استراتيجياً، ووضع اليد نهائيا على حقول النفط العراقي!
بمعنى آخر النيل من العراق عن طريق الحيلة والخداع والتلاعب بالبيادق العراقية المتعاونة بدرجات متفاوتة، لتحقيق ما فشلت القوات الغازية في تحقيقه بالقوة الجهنمية عن طريق التحايل الأمني والسياسي!
نقول هذا الكلام لأن البيادق المشار إليها والتي تنتمي إلى تيارات سياسية وطائفية ومذهبية مختلفة باتت تروج لما تسميه «بتنظيم العلاقة النفعية استراتيجيا مع واشنطن، ولو على كراهة منعا لوقوع العراق في الفوضى الداخلية والحرب الأهلية أو لقمة سائغة لتقاسم النفوذ الإقليمي»!
وبالتالي بدأنا نسمع تحليلات خطيرة تروج بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن الاحتلال باق عقودا طويلة في العراق ولا فائدة ولا نفع من المطالبة بخروجه السريع والمتعجل لأن ذلك مضر بمستقبل العراق غير الجاهز لتحمل تبعات الاستقلال الناجز والسيادة والديموقراطية! وأخذ بعضهم من غير العراقيين ممن لهم تلاقٍ مع أهداف أميركا الطويلة الأمد بالتنظير إلى أن العراق هو أشبه ما يكون اليوم بألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وها هي اليابان وألمانيا مليئة بالقواعد العسكرية الأميركية رغم مرور ستين عاما على انتهاء الحرب!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني