في الكويت درة الخليج، تتأخر خدمات الشحن السريع لأسبوعين وثلاثة لأن الجمارك تحتجزها في الصليبية، بموجب قرار منع الشركات الخاصة من استلام شحناتها مباشرة على الحدود، أما في دبي، التي يضيق صدر مسؤولينا بتكرار ذكرها، فتخرج الشحنات بعد عملية تفتيش آلية محكمة لا تستغرق إلا دقائق معدودة لتصل إلى وجهاتها في اليوم ذاته! أهل الكويت ومنذ سنوات طويلة، قد علموا وآمنوا بقضاء الله بأن خدمات البريد الرسمية، هي خدمات متخلفة، وأن كل رسالة واردة هي رسالة ضائعة، ما لم يثبت الله العكس. وزراء كثيرون تعاقبوا على وزارة المواصلات ولكن بقيت الرسائل لا تصل، وظلت المشكلة عصيّة على الحل، لسبب لا يعلمه إلاّ رب العباد ومن شاء من عباده!
الأمر كذلك، بريدنا من غير بريد، ومن شاء آمن وبقي مستمتعا بلذة الترقب والانتظار، ومن شاء كفر وبحث له عن وسيلة أخرى تحمل رسائله وطروده وشحناته!
أما أنا فقد كنت من الكافرين بخدمات البريد الرسمي منذ زمن بعيد، وقد توقفت عن دخول مكاتبه وامتنعت عن خدماته إلا مضطراً، واتجهت عوضاً عن ذلك إلى خدمات البريد السريع التي تقدمها الشركات الخاصة، وقبلت سعيداً أن أدفع بدلاً من الدينار عشرة وعشرين وثلاثين لقاء أن أضمن وصول رسائلي وشحناتي سالمة معافاة في الوقت السليم، فأنا رجل لا يهوى الترقب والانتظار والمفاجآت، خصوصاً ذلك المفروض من قبل الجهات الرسمية، كما لا أحب أن تنتهي رسائلي ملقاة في غرفة ما بانتظار معجزة كمعجزة هدهد سليمان!
كنت وكثير مثلي من الكافرين بالبريد الرسمي، سعداء جداً بخدمات شركات البريد السريع التي جاءت من بلاد غير المسلمين، لأن هذه الخدمات الأجنبية، ليس بها من صفات المنافقين شيء، فليس منها من إذا حدّث كذب، أو من إذا أؤتمن خان، أو من إذا وعد أخلف!
لكن، وتباً لهذه الكلمة التي يمكن لها أن تفسد كل شيء، ومنذ أسابيع قليلة، بدأت الخدمات السريعة بالتباطؤ، حتى توقفت أو كادت، وحين سألت فإذا بالإدارة العامة للجمارك قد عمدت أخيراً إلى منع شركات البريد الخاصة من استلام شحناتها مباشرة من الحدود، وصارت تقوم بتحويلها إلى المستودعات الحكومية في منطقة الصليبية لتتعطل لفترات طويلة لعدم توافر الإمكانات والموظفين الكافين لتخليصها بسرعة!
هذا القرار البيزنطي، مهما كانت الأسباب التي دعت إليه، هو واحد من القرارات الحكومية الارتجالية الكثيرة التي جعلت من الكويت مكاناً خارج خارطة الزمن الحديث، وجعلتها أشبه بدول المعسكر الاشتراكي المنقرضة. هذا القرار الذي لا أدري من أطلقه دون دراسة وافية ودون حساب لتبعاته، هو من القرارات التي جعلت الكويت مكاناً طارداً للاستثمار الأجنبي لا ترغب الشركات الدولية في التعامل معه وجعلتها تتجه إلى دول مجاورة أخرى. هذه القرارات اللامسؤولة هي السبب في ذلك، لو كانت حكومتنا يهمها فعلا أن تعرف السبب!
في مطار دبي، وأنا أعلم كم صارت تضيق صدور مسؤولينا بذكرنا المتكرر لدبي، ربما لأنها تشعرهم بمأساة تخلفهم وفشلهم، قد وفرت الحكومة مستودعات خاصة لشركات الشحن السريع في المطار تتجه إليها طائراتهم مباشرة وتخرج منها الشحنات بعد عملية تفتيش آلية محكمة لا تستغرق إلا دقائق معدودة لتصل إلى وجهاتها في ذات اليوم، وأما لدينا، في الكويت درة الخليج، فهي تتأخر لأسبوعين وثلاثة لأن الجمارك تحتجزها في الصليبية!
لا أعرف ما المقصود من كلمة المدير العام للجمارك السيد إبراهيم الغانم التي تحتل الصفحة الأولى من موقع إدارته على الإنترنت عندما يتحدث عن مواكبة التطورات العالمية ومواجهة التحديات المستقبلية! عن أية تطورات تتحدث يا سيد؟!