تداعيات غير عفوية!!

نشر في 29-01-2008
آخر تحديث 29-01-2008 | 00:00
 صالح القلاب

لا يمكن أن تقبل مصر لا طائعة ولا مرغمة بالعودة إلى قطاع غزة أو عودة قطاع غزة إليها، فهي ليست بحاجة إلى إضافة همٍّ جديد إلى همومها الكثيرة، وهي لا يمكن أن تقبل بوضع قنبلة «حماس» التي هي قنبلة إخوانية في «عُبِّها»، فيكفيها إخوانها ويكفيها أنها كلما اعتقدت أنها قضت على ظاهرة الإرهاب تكتشف أفعى «إرهابية» جديدة.

هل تعود غزة إلى مصر، أم تعود مصر إلى غزة؟!

إنه سؤال اعتباطي ومفتعل، فهذا الموضوع كان قد حسم منذ فترة بعيدة، فالعرب كلهم وفي مقدمهم مصر اعترفوا بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واعترفوا بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً لهذا الشعب، واعترفوا بإعلان الفلسطينيين، من خلال دورة مجلسهم الوطني التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر عام 1988، عن قيام دولتهم المستقلة والعرب يعرفون أن أكثر ما يريح إسرائيل ويرفع العبء عن أكتاف الولايات المتحدة الأميركية هو أن يعود قطاع غزة إلى الإدارة المصرية وأن تعود الضفة الغربية إلى الأردن وعلى غرار ما كان الوضع عليه قبل حرب يونيو عام 1967.

وفوق هذا وبالإضافة إليه، فإن مصر بجغرافيتها الشاسعة الواسعة ليست بحاجة إلى ستين كيلومتراً مربعاً هي مساحة قطاع غزة الذي يضم نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، والذي كان قد أتعب الإنكليز زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، ثم أتعب المصريين سواء في عهد الملك فاروق أو في عهد جمال عبدالناصر، ثم أتعب الإسرائيليين بعد احتلال عام 1967، وذلك إلى حد أن إسحق رابين تمنى، بعد أن طفح كيله، أن يصحو ذات صباحٍ وقد غرق هذا القطاع ومن فيه في البحر.

لا يمكن أن تقبل مصر لا طائعة ولا مرغمة بالعودة إلى قطاع غزة أو عودة قطاع غزة إليها، فهي ليست بحاجة إلى إضافة همٍّ جديد إلى همومها الكثيرة، وهي لا يمكن أن تقبل بوضع قنبلة «حماس» التي هي قنبلة إخوانية في «عُبِّها» فيكفيها إخوانها ويكفيها أنها كلما اعتقدت أنها قضت على ظاهرة الإرهاب التي أوجعت قلبها وأدمته تكتشف أفعى «إرهابية» جديدة، وإن بلون مختلف وملمس غير ما اعتادت عليه في المرات السابقة.

إنها «هدية» لا تريدها مصر لا من الناحية الوطنية ولا من الناحية القومية ولا من الناحية الإسلامية، ويقيناً إن تطورات غزة الأخيرة هي مؤامرة بائنة بينونة كبرى على المصريين، فالذي اتخذ قرار اجتياح الجدار العازل بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية أراد إرباك مصر وأراد إراحة الإسرائيليين والأميركيين من هم «أنابوليس» وهم عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات الحدود المتصلة... إن الذي اتخذ هذا القرار أراد، سواء عن قصد أو عن غير قصد، ترحيل هذا المأزق من دائرة قديمة هي دائرته الحالية إلى دائرة جديدة.

لقد تدهورت الأمور وتلاحقت الأحداث بصورة مذهلة... فعشية زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش الأخيرة إلى المنطقة وخلالها وبعدها مباشرة وبينما كانت رقاع الدعوة، في طريقها إلى الذين دُعوا إلى حضور مؤتمر المعارضة الفلسطينية الذي انعقد قبل أيام في دمشق تصاعدت رشقات صواريخ القسام على بلدة سديروت الإسرائيلية فردَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت الذي تحاصره الأزمات الداخلية من كل جانب بعنف مبالغ فيه وردَّت «حماس» على هذا الرد فأعلنت إسرائيل الحصار على غزة وقطعت عن بعض أحيائها الكهرباء، وكانت النتيجة أن اندفعت الجماهير التي أوصلتها بعض الفضائيات العربية إلى ذروة الهيجان والتوتر لتحطم الحواجز ولتلغي الحدود بين مصر وفلسطين بالقوة!!

فهل هذا هو مجرد تداعيات عفوية... تشكلت خلال انقطاع الكهرباء لبضع ساعات، وخلال حصارٍ مخفف استمر منذ أن قامت «حماس» بانقلابها الشهير في يونيو من العام الماضي؟!

منذ نحو منتصف عقد سبعينيات القرن الماضي لاتزال معظم المناطق اللبنانية محرومة من الكهرباء ولاتزال بعض أحياء حتى العاصمة بيروت تغرق في الظلام في معظم ليالي الأسبوع خلال هذه السنوات كلها... ومنذ بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي، وكل العراق تقريباً لا تزوره الكهرباء إلا في المناسبات السعيدة، ومع ذلك فإن هجرة جماعية لبنانية لم تحدث ولا في أي اتجاه من الاتجاهات، وإن هجرة جماعية عراقية لم تتم لا في اتجاه سورية ولا في اتجاه إيران ولا في اتجاه أي دولة من الدول المحاذية الأخرى.

وهذا يعني أن ما جرى في غزة كان مخططاً له، وأن هناك أكثر من هدف لاجتياح الحدود المصرية–«الغزية» فبالإضافة إلى إحراج مصر وتوجيه ضربة مميتة إلى السلطة الوطنية وإلى مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» ونقل عبء عملية السلام من فوق الكاهل الإسرائيلي والأميركي إلى الكاهل العربي هناك الحلف الإقليمي المعروف الذي يريد إثبات وجوده في الدائرة الفلسطينية كما أثبت وجوده في الدائرتين العراقية واللبنانية.

* كاتب وسياسي أردني

back to top