مجزرة همجية
في الساعة السابعة من صبيحة الثلاثاء 11 يوليو 1882 أعطى الأميرال سيمور إشارة الضرب، فانهالت قذائف الأسطول البريطاني على مدينة الإسكندرية، وكانت القنابل تنطلق بدقة وإحكام، فتصيب أهدافها إصابات مباشرة واستمر إطلاق الحمم حتى غروب الشمس، وهي فترة كانت كافية لتدمير المدينة، وتحويلها إلى أطلال، كانت مجزرة رهيبة ارتكبتها بريطانيا عقاباً للشعب المصري لرفضه الاستسلام للنفوذ الأوروبي الذي تغلغل في أنحاء الديار المصرية، وبات يشكل خطراً على شخصيتها وأخلاقها واستقلالها الوطني، وأصبح المصريون خلال هذه الفترة كالأيتام على موائد اللئام، فلما أفاق المصريون على هذا الخطر الداهم، وقامت الحركة العرابية للحد من سطوة النفوذ الأجنبي، انتفضت بريطانيا لتجهض الثورة بقوة السلاح، وجاء سيمور ليصبها حمماً على رؤوس أهل الإسكندرية في ذاك اليوم المشؤوم الذي وصفه المسيو جون نينيه، عميد الجالية السويسرية وصديق المصريين، قائلاً: كانت البوارج الإنكليزية تتقدم للضرب مثنى مثنى، في بطء، ثم تصطف في هوادة تجاه كل طابية مصرية، وتصب عليها قنابلها حتى تدكها دكاً، ثم تنثني على الرماة المصريين فتحصدهم حصداً بقذائف المتراليوزات المركبة على ساريات البوارج، ويجب أن نعترف بأنها مجزرة همجية لم يكن لها أي مسوغ، وليس الباعث عليها سوى الشهوة الوحشية المتعطشة إلى القتل وسفك الدماء، وإذا كانت المجزرة قد حركت ضمير السويسري الشريف، فإنها لم تحرك ضمير العالم الأوروبي الذي كان يتشدق بالحرية، ويرطن بشعارات الإخاء والمساواة، حتى فرنسا الحرة تخلت عن شعاراتها، واعتبرت المجزرة عملاً من أعمال البطولة تستحق عليه بريطانيا التهنئة الحارة.
منطق غريب جداً، لكنه منطق الذئاب الضارية مع الحمل الوديع في كل عصر.